السبت، 15 نوفمبر 2014

علم الاثار

اذا كان التاريخ الحديث يستند بصورة اساسية الى  الوثائق , فالتاريخ القديم يجد مستنداتة في علم الاثار وما يتصل بة . ومع ان الاهتمام بالاثار لم يأخذ المنحي الجدي الا في العصور الحديثة , فانها كانت تفرض نفسها على الناس الذين كانوا ينسجون تاريخا اسطوريا , في الغالب , يفسر وجودها , او يحاولون الكشف عن اسرارها السحرية او هويتها . نابونيذ اخر ملوك بابل مثلا امر بالحفر في الاحجار الاساسية لهيكل كان يسبق عهدة ب 3200 سنة ليعرف مبلغ قدمة . وقد وجدت اشارات اثرية لدى المؤرخ توكيديس ( 460-395 ق.م ) ولدى بعض مؤرخي اليونان , اهتم بها الامبراطور هارديان . لكن الاثار لم تكن بصورة عامة محترمة , لا بسبب عدم تقدير قيمتها التاريخية فحسب , ولكن بسبب النظر في العصر المسيحي , ثم في الاسلامي من بعدة , على انها بقايا وثنية لا تستحق الاحترام والحفظ , ان لم يكن من المستحب تهشيم انوفها , او الاستفادة من حجارتها . يضاف الى ذلك عمليات السطو الذي لم ينقطع , منذ القديم , على ما يجدة الناس , او يتوهمون وجودة من كنوزها السحرية الخبيئة .

الاثار لدى مؤرخي الاسلام 

 مع ذلك اهتم عدد من المؤرخين المسلمين بالاثار القديمة . لكنهم لم يتعدوا وصفها , ومحاولة القراءة الوهمية او الوعظية لكتاباتها , ونسبتها احيانا الى الجن او سليمان او قوم عاد ( ومن هنا تسميتها بالعاديات ) . من هؤلاء المؤرخين مثلا ابن عساكر وابن العديم وابن شداد والمقريزي وابن الجوزي . ونجد الاهتمام نفسة بين لدى الجغرافيين العرب , كالمقدسي وابن رستة والادريسي , ولدى الرحالين الذين كانوا يصفون ما يمرون بة من الاوابد . وقد دعا بعض العلماء الى حفظ هذة الاثار , ومن هؤلاء عبد اللطيف البغدادي وابن خلدون . واستأثرت اثار مصر بالذات باهتمام عدد من المؤرخين , فألفوا في عجائب مصر واهراماتها ( كابن وصيف شاة , وابن فضل اللة العمري , ومحمد الوطواط ) كما الف اخرون في اثار اليمن ( الهمذاني ) واثار فارس ( حمزة الاصبهاني ) واثار مكة ( الارزقي والفاسي ).

الاثار في العصر الحديث

اهتم الاوروبيون , في عصر النهضة , بالاثار اليونانية والرومانية , لانها موجودة حولهم , ولانها العصر الكلاسيكي بالنسبة اليهم , ولان العودة اليها كانت سمة من سمات ذلك العصر . بتأثير التاريخ المسيحي , بعد ذلك , والتوسع الاستعماري , امتد الاهتمام الى الشرق . عمل ذلك الفلرنسيون اولا ثم الانجليز . شاركهم بعض الاوروبيين الاخرين , قبل ان يأتي الالمان في القرن ال19 . كان بين هؤلاء الهواة المولعين بالاثار دبلوماسيون وعلماء ورجال دين وضباط وتجار . كانت كتابات هؤلاء وما يحملون الى بلادهم من الاثار تزيد في الاهتمام الاثري في الغرب , كما تزيد في منح الشرق طابع الكنوز الاسطورية .
كان القرن ال19 قرن النشاط الاثري الواسع لاكثر من سبب . فهناك التوسع الاستعماري , وانتشار الافكار الانسانية الموسوعية , وتوفر المال في اوروبا للانفاق على البحوث والبعثات , وظهور النظريات في قدم الارض وقدم الانسان عليها , واعادة الاعتبار للحضارات السابقة للديانات الموحدة . يضاف الى ذلك ما رافق الكشوف الاثرية من مادة علمية جديدة ومن كسب مادي ومن اعجاب عام . وبخاصة بعد ذيوع الاخبار عن هركلانوم ( سنة 1719) وبومبي ( سنة 1847 ) وتدمر ( سنة 1753 ) وبعلبك ( سنة 1757 ) وبطرا (سنة 1812 ) , وبعد ان حل شمبوليون الرموز الهيروغلوفية سنة 1822 وكشف شليمان ( سنة 1822-1890) عن مدينة طروادة الاسطورية (1) , وقام التنافس الشرس على نهب اثار اليونان وما بين النهرين (2) بين الانجليز والفرنسيين في اواسط القرن , ونشرت اخبار مأرب سنة 1870 وكشفت كنوسوس في كريت سنة 1900 . 

علم الاثار الحديث

خلال ذلك كانت الاكتشافات في حقل ما قبل التاريخ والعصور الحجرية (3) تزداد , وبخاصة بعد النظريات التي احدثت ثورة في الجيولوجيا ( تشارلز ليل سنة 1833) وفي الانواع الحية ( كتاب اصل الانواع لداروين سنة 1859) واعادة تنظيم العصور الانسانية قبل التاريخ (4) . بين هذا وذاك تحول الاهتمام بالاثار من الهواة الى العلماء , ومن الطمع بنهبها للزينة , الى محاولة دراستها واقامة تطور الحياة الانسانية على اساسها . وولدت ضمن علم الاثار عدة علوم حسب المناطق الاثرية ( مصر , اشور , يونان ... ) وحسب نوع الاثار ( فخار , نقوش , بردي ) , بينما كانت المكتشفات الاثرية تفاجئ الانسان كل يوم بجديد مدهش يزيد في شحذ همته وفي قيمة العمل الاثري , مثل مقبرة توت عنخ اموا (6) ومدينة ماتشوبيتشو (7)
   في القرن العشرين , جاءت التقنيات الحديثة الى هذا العالم , وبالتالي الى التاريخ , بمعونات كبيرة , كالتصوير الجوي لكشف الحقول الاثرية , والتصوير بالابعاد ( فوتوغرامتري ) , والتنقيب الجيوفيزيائي والاستراتيغرافي ( حسب الطبقات ) , وتحديد التواريخ الاثرية بقياس التلف الاشعاعي . هكذا صار لعلم الاثار اليوم مؤسساتة واختصاصيوة في التنقيب والحفظ والترميم (5) . وصار يشمل في الزمان ملايين السنين , وفي المكان جميع بقاع الارض , وبقايا الانسان . اهم من ذلك كلة انة اخذ مكانة الوطيد بوصفة بعدا اساسيا من ابعاد المعرفة بالانسان . 

( 1 ) ظلت طروادة , المدينة التي تدور حول فتحها ملحمة الالياذة الشهيرة , مدينة اسطورية حتى اكتشف موقعها واثارها العالم الالماني شليمان بين سنة 1870 و سنة 1890 وتبين انها حوالي 9 طروادات طبق بعصها فوق بعض . لكن تاريخها كان قد تلفف بالاساطير لدرجة الاعتقاد بأن الالهة هي التي بنت اسوارها الشاهقة ( ابلون وبوسايدون ). فلما رفض ملكها دفع الاجر ارسلت علية الغرباء ووحش البحر , وانبأة العرافون ان المعبودات لا ترضى الا بتقديم فتاة لها كأضحية سنوية ... وتمضي الاساطير بعد ذلك واحدة بعد الاخرى حتى تنتهي باختطاف باريس ابن ملك طروادة لهيلين الاغريقية المنسوبة للالهة . وحصار الاغريق 10 سنوات لطروادة التي لم تفتح الا بحبلة , هي الحصان الخشبي الضخم الذي كمن في قلبة المحاربون , حتى اذا هدم الطرواديون جانبا من الاسوار لادخالة خرجوا لهم .

( 2 ) باستثناء مجموعتي الاثار الاسلامية واليونانية الرومانية فأن مجموعة الاثار الفرعونية هي اكبر واغنى واهم مجموعة اثرية في العالم كلة . وتعتبر من اهم المنجنزات الحضارية لانها تحكي تاريخ الانسانية في وادي النيل خلال 50 قرنا . كشفت ابنيتها وصورها وكتاباتها وادواتها عن معلوماتها واسرارها منذ قرن وبعض القرن . وصار لها الان علم خاص بها يسمى " ايجبنولوجيا "





( 3 ) هذه الظران الحجرية ( يظهر سطحها الاعلى واحد جانبيها ) ارسلها احد العلماء الاثريين الى جمعية الاثار في سفولك سنة 1797 , مؤكدا انها قديمة جدا " حتى انها قد تعود الى زمن سابق لعمر الكون المعروف " . يعكس موقف هذا العالم النظرة الحديثة الى الجيولوجيا والى قدم وجود الانسان على الارض .


( 4 ) هذا الفك لانسان ما قبل التاريخ المعروف " بالانسان الماهر " وجدها في وادي الدوفاي في تنزانيا العالمان الاثريان لويس وماري ليكي . كان من شأن عمل هذين العالمين واتساعة على يد ابنهما ريتشارد ليشمل اثار بحيرة رودولف انة ارجع عمر الانسان ( في فترة 20 سنة ) من اقل من مليون ستة الى 5 ملايين سنة تقريبا .





(5 ) قناعان جنائزيان سريعا العطب صنعا لشخصين ماتا قبل حوالي 4 الاف سنة في بلاد النوبة . اعيد تركيبهما من الفتات الذي وجدتة البعثة الفرنسية الاثرية الى السودان النوبي في مدفن قلعة ميرجيا على الشلال الثاني من النيل . الاقنعة الملونة صنعت من قالب اخذ عن وجة الميت , وهو يجري اعدادة للفائف المومياء .














( 6 ) توت عنخ امون ( 1348- 1337 ق.م ) , الذي يرى في الصورة المأخوذة عن ظهر عرشة الملكي متحدثا الى زوجتة , ليس اكثر من ملك شاب من اواخر الاسرة 18 توفي في الثامنة عشرة ودفن لاسباب غير معلومة تماما على عجل في مقبرة ملكية صغيرة , نحتت غرفها اسفل مقبرة اخرى , بعد ان اضيفت الى كنوزة الجنائزية بعض مقتنيات الملك سمنخ كارع . وتغير الاسم عليها لتوضع معة في قبرة الذي ظل تحت الرمال في وادي الملوك 31 قرنا . كان من حظة ان اللصوص لم يسرقوة بسبب خفاء مكانة . في نوفمبر 1922 عثر العمال على حائط المدخل صدفة , ضمن حفريات يقودها العالم هوارد كارتر بتمويل جماعة منها اللورد كارنافون . حين فتح باب المقبرة بهر الجميع كما بهر العالم - وما يزال - لما فيها من كنوز اثرية تشع الذهب . 


( 7 ) اطلال هذه المدينة ماتشو بيتشو تقوم في البيرو بأمريكا اللاتينية في مرتفعات جبلية تزيد على 8 الاف قدم . شعوب الانكا , صاحبة تلك البلاد قبل كولومبس بقرون طويلة , اقامت عاصمة المملكة هذه بين قمتين جبليتين . كانت لها حضارةتها الرائعة ومواردها الضخمة من الزراعة واقنية الري الممتدة في الجبال الاف الامتار , ولها فن رائع في صياغة الذهب خاصة وفي الفضة وفي التسيج وفي البناء . دمرها الفاتحون الاسبان بقيادة ( بيسارو ) سنة 1533 , ونسيها الناس فغطتها النباتات الكثيفة . اكتشف هذه  " المدينة الضائعة " الرحالة الامريكي حيرام بنغهام سنة 1911 . بذلت جهود ضخمة لازالة الادغال التي تغطيها ولتظهر من جديد عاصمة اقوى واكبر دولة في امريكيا الجنوبية قبل عصر الاكتشافات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق