قبل اواسط الالف الثاني ق.م , كانت مناطق الهلال الخصيب مسرحا لتحركات متوالية , وموجات متشابكة من الهجرات البشرية المتنوعة , ومن العلاقات الدولية المعقدة . زالت اثار بعضها وبقيت بقايا من بعضها الاخر حتى اليوم . فحين كان الهكسوس يطردون من مصر سنة 1580 ق.م وبعد ذلك :
ا - كان الكاشيون يسيطرون على بابل , بعد ان ازال الحثيون سلالة حمورابي منها . واستخدموا الحصان في عرباتهم الحربية . ثم حل محلهم العيلاميون في ما بين النهرين . ب - كان الحوريون الذين انحدروا تدريجيا من جبالهم في ارمينيا قد سيطروا على ما بين شمالي العراق وشمالي سوريا , واسسوا امبراطورية لم يعثر الاثريون حتى اليوم على موقع عاصمتها واشوغاني . ج - تلا ذلك ظهور الميتانيين الذين اسسوا مملكة في شمالي سوريا , ثم غلبهم عليها الحثيون الذين جاؤوا من شمالي بحر قزوين عن طريق الاناضول وحلوا محل الميتانيين . رافق ذلك كله وصول النفوذ المصري ( في عهد الاسرة 18 وما بعدها ) الى اواسط سوريا , ثم تضاؤل الامبراطورية الحثية في الشمال لحساب الاشوريين في اعالي العراق الذين سوف يصبحون القوة الكبرى في المنطقة منذ اواخر الالف الثاني ق.م حتى القرن السادس ق.م . شعوب البحر اعقب ذلك بين القرنين 14 و 13 ق.م هجوم شعوب مجهولة الجذور عرفها المؤرخون باسم شعوب البحر , غزت باعداد كبيرة جدا الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط ما بين الدلتا المصرية حتى اسيا الصغرى . وكان منها شعب بولوزاتي او فلسطي الذي اعطى اسمه لفلسطين . كان من نتيجة الهجمات البحرية والبرية المتكررة تهدم مدن كثيرة ( منها طروادة سنة 1200 ق.م ) وتوطن بعض الشعوب كالفريجيين في قلب الاراضي الحثية , الى ان اوقفت حروب رعمسيس الثاني هذه الموجات , وردتها الى اوروبا وساحل افريقيا الشمالي . غير ان هذه الشعوب الغريبة القادمة من الشرق والشمال والغرب لم تطبع المنطقة بطابعها وان بدلت الخارطة السياسية لها عدة مرات . وغيرت التركيب الانثربولوجي فيها . وخلطت السكان القدماء من " الساميين " ( العموريين البابليين , ةالكنعانيين الفينيقيين ) بعناصر اخرى . والسبب ان هجرات اخرى , سامية , قدمت في الوقت نفسهالى المنطقة , واعانتها على الاحتفاظ بطابعها السامي الثقافي , والى حد ما بتكوينها الاثنولوجي (1) . الاراميون بينما كانت الجماعات الاشورية تتحول في شمال العراق الى قوة كبيرة , كان العبرانيون في بين القرنين 12 و 10 ق.م يسيطرون في فلسطين مختلطين بالكنعانيين وغيرهم . وكانت جماعات سامية اخرى , اشارت لها النقوش الاثرية بأسم اخلامو , تخرج من البادية الشامية وتتكاثر منذ القرن 14 ق.م في اطراف الشام وعلى وادي الفرات . ما لبثت هذه الجماعات ان حملت بين القرنين 11 و 10 ق.م اسم الاراميين , واسست ما بين تيما الى دمشق وحماة حتى ( شمال ) واعالي الجزيرة الشامية , ثم حتى بابل , مجموعة من الدويلات والممالك الصغيرة التي لعبت دورها السياسي في المنطقة , وزاحمت الحثيين والاشوريين والبابليين والعبرانيين وحاربتهم طويلا لتوطد استيطانها . كان اهمها مملكة " شمال " في اقصى الشمال , ومملكة دمشق التي تزعمت فترة طويلة تلك الممالك حين هددتها الاخطار الضاغطة من العبرانيين والاشوريين الغزاة خاصة . لكن الممالك الارامية لم تستطع ان تشكل دولة واحدة قوية . لهذا لم تستطع البقاء السياسي اكثر من 4 او 5 قرون . ثم اضمحلت واحدة بعد اخرى امام الغزو الاشوري الساحق (5) . بقيت قبائل وبقايا منهم في البلاد البابلية بين القرنين التاسع والسابع ق.م على الحوض الاسفل من دجلة حتى ذابوا مع الكلدانيين . الحضارة الارامية لكن غياب الاراميين السياسي لم يستتبع الغياب الحضاري . فقد ظل الاراميون موجودين ثقافيا بلغتهم وكتابتهم اللتين ظلتا منتشرتين قرونا طويلة بعد ذلك , حتى ظهر الاسلام وحلت العربية محل الارامية , وان بقيت بقايا هذه اللغة في اماكن متفرقة وجماعات معينة في سوريا والعراق الى اليوم . ذلك ان اللغة الارامية وما يتبعها من كتابة ابجدية ( مأخوذة عن احرف اوغاريت الفينيقية ) (2) صارت لغة دولية من ضفاف النيل الى نهر السند في السياسة والتجارة , حين اصبحت اللغة الرسمية للامبراطورية الاخمينية الغازية . ثم استمرت لغة الحياة العادية في سوريا والعراق بعد ذلك في العهدين الهلينستي ثم الروماني - البيزنطي . وظهرت فيها مع الزمن لهجات عديدة ما بين شرقية وغربية , وخطوط كتابية عديدة (4) , كان منها الخط النبطي التدمري ثم العربي . كانت الارامية هي اللغة التي تحدث بها السيد المسيح لانها لغة الناس في فلسطين في عهده . وبها كتب الترجوم اليهودي والتلمود , لهذا فان الاراميين الذين اتبعوا المسيحية حملوا في الها ( اورفه ) اسم السريان نسبة الى المسيح السوري , ثم صارت لغتهم السريانية لغة الكنيسة في بلاد الشام والرافدين , ما بين القرنين 3 و 13 م , وامتد اسم السريان فشمل الجماعات الارامية القديمة . |
(1) كلمة ارامي بمعنى سرياني حديثة الاستعمال , تعود الى القرن الماضي فقط . حين عرف ان السريان هم الاراميون القدماء الذين انتشروا في الشرق الحضاري في النصف الثاني من الالف الثانية ق.م , وزرعوا المنطقة مدنا وقرى من فلسطين وشمال الحجاز حتى بحيرة وان , كما توغلوا جنوبي العراق . تاثيرهم الثقافي كان اقوى من تاثيرهم الاثنولوجي .
(2 ا) هذه القطعة الصغيرة من الفخار المشوي (ا) , والتي يحتفظ بها متحف دمشق بوصفها من اثمن كنوزه , هي نموذج كامل لاول ابجدية عرفها التاريخ . وهي في الوقت نفسه ام الابجديات كلها في العالم . وجدت في حفريات اوغاريت الفينيقية على الساحل السوري وتعود الى القرن 14 ق.م او قبله بقليل . (2 ب) الاراميون اخذو ابجديتهم عنها بعد تشذيبها , هذه الابجدية , حروفها ذات شكل مسماري , اما في الارامية فقد تحولت الى خطوط , من نماذج الكتابة السريانية اليوم النص (ب) الذي يقرأ السطر الاول منه هكذا : " شلم بشنت الف وتاتماتو وشبع " وتعني " كمل بسنة الف وثلاثمائة وسبع " (3) في هذا الرسم الجداري من مدفن تحوتمس الرابع في طيبة ( حوالي 1400 ق.م ) رسمت مجموعة من سكان سوريا في تلك الفترة , وفيهم الاراميون . كانت امبراطورية مصر تمتد هناك . ملابسهم البيضاء كانت تميزهم , هداياهم تتضمن انية الذهب , وجعبا من الجلد , وجرارزيت . (4ا) تطورت الابجدية الارامية خلال عمرها الطويل منذ اواسط الالف الثاني ق.م الجدول (ا) يبين تطور اشكال الحروف الابجدية الاولى فيها , من الملاحظ ان الترتيب الاوغاريتي الاقدم والاول للحروف ظل هو الترتيب الارامي نفسه والترتيب المتبع في الخطوط الاخرى التي اشتقت منه , فالالف كانت تمثل رأس ثور , والباء رسم بيت ( غرفة ) والجيم رأس جمل , عدد الابجديات والخطوط المقتبسة من الارامية او الكنعانية مباشرة كبير . شجرة انسابها وتفرعاتها تظهر في الجدول (ب) (2ب) (5) موسيقي ينتظر في حديقة الملك ومن خافه خدم يحملون الطعام ويذبون عنه , المظنون انهم من الاراميين . المشهد من نقوش قصر اشور بانيبال المعروف في نينوى . |
الثلاثاء، 28 يوليو 2015
الاراميون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق