الأحد، 30 نوفمبر 2014

افريقيا في العصور الاولى

( 1 ) موقع الصحراء الكبرى بين شمال افريقيا وافريقيا المدارية يفصل المنطقتين المذكورتين الواحدة عن الاخرى . يبدو على الخارطة نهرا النيجر والنيل اللذان كانا يتلقيان مياه الانهار الصغرى التي اختفت تماما . وبحيرة تشاد هي البحيرة الكبيرة الوحيدة التي ظلت في المنطقة الصحراوية فيما زالت جميع البحيرات الكبيرة والصغيرة الاخرى . مجرى نهر النيل كان الطريق الوحيد الذي يصل بين اواسط افريقيا وشمالها ( في مصر ) . وعن طريقه انتشر السكان من منطقة البحيرات الافريقية ومن السودان الى مصر العليا . كما يرجح ان الحديد انتقل من كوش الى اواسط افريقيا على هذا الطريق . منطقتا الحضارتين الوهرانية والقفصية تظهران على الخريطة .
 اسم افريقيا اطلقه الرومان في القرن الثاني ق.م على ما بين طرابلس واواسط الجزائر حاليا , ثم صار اسما للقارة كلها في العصور الحديثة.
  الصحراء الكبرى تخترق افريقيا من شواطئ البحر الاحمر حتى الاطلس لعرض 16 درجة تقريبا ( 10- 26 ) , وهي لا تفصل جغرافيا فقط قسمها المطل على حوض البحر المتوسط عن باقي القارة , ولكنها ايضا تفصلها عرقا وحضارة وتاريخا بعضها عن بعض . فشمال افريقيا كله من مصر حتى المغرب جزء من منطقة الحضارات القديمة ( 1 ) , بينما افريقيا فيما وراء الصحراء قارة اخرى ظلت في عتمة التاريخ حتى العصور الحديثة , وان كانت لها تطوراتها البشرية والتارسخية الخاصة والمستمرة عشرات الالوف من السنين .
  دلت الابحاث والاثار الطبيعية والانسانية ان هذا الحاجز الصحراوي الاعظم لم يكن موجودا او على الاقل لم يكن منطقة جفاف ورمال قبل 10 الاف سنة , وان قصة الانسان في هذه القارة كانت مختلفة عما قد توحي به الاوضاع الجغرافية والبشرية اليوم .
بقايا الصور التي تركها الانسان القديم في الصخور الصحراوية ( موقع تسيلي مثلا وموقع جبارين ) ( 2 ) , واثار الودبان التي جفت , وحتى البحيرة التي لا تزال قائمة ( بحيرة تشاد ) والتي تتقلص باستمرار ( 5 ) , كلها شواهد على حداثة عمر الصحراء .

  افريقيا مهد الانسان 

  قبل مئات الالوف من السنين , وجدت في انحاء القارة وبخاصة في شرقيها وشمالها مجموعات بشرية الملامح . الادلة والبقايا الكثيرة التي وجدها العلماء رجحت الدى معطمهم ان افريقيا كانت مهد الانسان , وان الانسان المنتصب ظهر فيها قبل حوالي 60 الف سنة , وان الانسان العاقل انتشر فيما بين 20 و 15 الف سنة . قبل ذلك وخلاله , عرف الانسان الافريقي استخدام الصوان ( 4 ) , ثم سكنى الكهوف , وصيد الغذاء , واستخدام النار . 
  منذ 7 او 8 الاف سنة . حين بدأت العناصر البشرية , التي كانت تمارس جمع الطعام والصيد , في الافول , وتنتشر بدلا منها الجماعلت المتجهة الى الاستقرار من اجل زراعة الغذاء وتربية الحيوان لاستغلاله , كانت هناك 4 جماعات عرقية افريقية قد وطدت اقدامها في هذه القارة هي : 

  • البشمن الاولون في الاجزاء الجنوبية والشرقية .
  • الاقزام الاوائل في الاقاليم الغابية من حوض الكنغو وساحل غانا .
  • الحاميون - القوقازيون الذين انتشروا في الشمال والشمال الشرقي , دخلاء على القارة .
  • الزنوج . وهم الاقدم , انتشروا في المناطق الباقية وعلى هامش المناطق الغابية الاستوائية , ثم توغلوا فيها منذ حوالي 9-8 الاف سنة , واختاروا المناطق الرطبة والقريبة من المياه في الغرب .

  الصحراء الفاصلة 

  زادت اعداد الجماعتين الاخيرتين حتى طغت على الجماعات الباقية وفصلت بينهما وبين هذه الجماعات الصحراء الكبرى التي كانت تتسع بالتدريج تحت ضغط تطورات المناخ وانسحاب العصر المطير . الخط الوحيد تقريبا الذي ظل يربط بين الجماعات الحامية والقوقازية والزنجية هو وادي النيل .
  التحديات التي لقيها سكان هذا الوادي اضطرتهم الى استغلال الارض , وتنظيم الري , وتطوير نظام اداري يضمن الامرين منذ الالف الخامس والرابع ق.م . ولم يلق الزنوج هذه التحديات لقلة عددهم وكثرة الغذاء المتاح , فلم يلجأوا الى الاستقرار ولم تتطور لديهم مستويات مماثلة من الحضارة . 
  قبيل القرون الميلادية بقليل , عرفت افريقيا تطورين هامين , هما :
  1. انتشار جماعات البانتو , وهي اخلاط من الزنج والحاميين تكونت في مناطق البحيرات الافريقية , ثم انساحت نحو الغرب والجنوب والشرق من القارة , حاملة معها طرائق الزراعة وانتاج الغذاء .
  2. دخول افريقيا عصر الحديد , وربما دخلها عن طريق وادي النيل وحضارة كوش . فقد كان الحديد قد وصلهما في القرنين الثامن والسابع ق.م , بعد ان شاع في الشرق الادنى حوالي سنة 1200 ق.م .

  الشمال الافريقي

 القسم الشمالي الشرقي من افريقيا , وبخاصة مصر , جزء من الحضارات المتوسطية القديمة . اما باقي الشمال الافريقي فقد عرف ما بين 50 - 20 الف سنة ق.م انسان النياندرتال , صاحب الحضارة العتيرية ( عتير بجنوبي تونس ) . ثم اخذ يختفي ليحل محله الانسان العاقل . ونرى بقايا عصره الحجري القديم في الحضارة الضبعانية ( نسبة لكهف الضبعة في ليبيا ) . ما بين 10 - 12 الف سنة ق.م . انتشر جنس البحر الابيض المتوسط . العصور الحجرية والمتوسطية تكشف عن اثاره :
  1. الحضارة الوهرانية ( حوالي 15 الف سنة ق.م ) , في السواحل والتلال المجاورة لها . عثر على اثارها في كهف هوا الفتايح والجبل الاخضر في ليبيا .
  2. الحضارة القفصية , التي ظهرت بين 9 - 5 الاف سنة شرقي جبال اوراس , ويبدو انها اثرت في الحضارة الوهرانية .
  بين الالف الثالث والثاني ق.م , وفد على المغرب جماعات عرف اشهرها في النقوش المغربية بأسم / ليبو ( ومنها اسم ليبيا ) , امتزجت بصانعي الحضارتين السابقتين , ونتج عن هذا المزيج مجموعة البربر , وهي المجموعة البشرية واللغوية التي اهلت الشمال الافريقي في العصور التاريخية . 


( 2 أ ) عثرت بعثة هنري لوث الفرنسية قبل حوالي ثلاثين سنة على عدد من الرسوم والنقوش الصخرية في منطقة الحجار ولايير في الصحراء الكبرى ترجع في تاريخها الى الفترة الممتدة من 6000 الى 200 ق.م . ثم توالى اكتشاف الرسوم في مئات المناطق المتناثرة في حزام عريض يمتد من جنوب مهران حتى الواحات المصرية . تمثل رسوم الكهوف والصخور الحيوانات التي كان الانسان يعتمد عليها في حياته وتنقله . كما يرى في بعضها الانسان وهو يقوم بالاهتمام بها . اختلف الباحثون في تحديد تواريخ دقيقة لهذه الرسوم . هناك تقسيم تقريبي يجعلها في خمسة ادوار : قديم من عصر الصيد , ورسومه منحوتة , وثاني ملون ينتهي قبل حوالي 8 الاف سنة , وثالث من عصر الرعاة بين 5 الاف الى الف ق.م , ورابع ظهرت فيه صورة الحصان ( حوالي 750 ق.م ) , وخامس فيه صورة الجمل بدأ مع عصر الميلاد . رسم ( ب ) هو من منطقة جبارين ( تسيلي حجار ) ويعود الى 3500 ق.م , وترى فيه الابقار ترعى في تلك المنطقة وعدد من الرجال يحاول حصرها في مكانها . في ( أ ) رسم حفر في جيرات ايضا من منطقة تسيلي . يعود الى 600 ق.م , ويرى فيه الايل ذو القرون الطويلة ( الحيرم / الودان ) , في ( ت ) حفر يمثل زرافات ضخمة في جبال الايير يعود الى حوالي 200 ق.م .

( ب )







( ت )











 ( 3 ) ابقار الجومنتيين التي ذكر هيرودوت ان لها قرونا طويلة منحنبة الى الامام مما يجعلها تسير الى الخلف عند رعيها . يبدو انه وصف مبالغ فيه عند مقارنتها بما تبرزه رسوم الكهوف القديمة في جنوب ليبيا . وذلك كما يظهر في لوحة بكهف جبارين في تسيلس بالصحراء الكبرى .
( 4 ) كاشطة حجرية من العصر الحجري الحديث عثر عليها في ليبيا . هذه الادوات التي كان يعتمدها انسان العصر الحجري في صيده وقنصة وقطع الاخشاب والحف . وقد عثر على هذه الكاشطة مع غيرها فريق من رجال الاثار الليبيين في منطقة جرمنت في الفزان .





( 5 ) بحيرة التشاد هي البحيرة الوحيدة التي لا تزال موجودة في الصحراء الكبرى . وقد تقلص حجمها وضاقت مساحتها خلال الالاف الستة الماضية . لا تعرف هذه البحيرة حدودا معينة . فمساحتها تتبدل بنسبة هائلة حسب غزارة المساه . وترافق ارتفاع المياه فيضانات على نطاق واسع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق