الاثنين، 4 مايو 2015

الحثيون " 1700-1200 ق.م "

قبل مائة سنة كانت معرفتنا بالحثيين مستمدة فقط من اشارات اليهم واردة في الكتاب المقدس , وفي مدونات ما بين النهرين . لكن في القرن التاسع عشر , اخذ المنقبون في تركيا يكتشفون انصابا وتحصينات ضخمة , تبين بوضوح انها كانت اثارا احضارة قديمة مزدهرة وقوية , ولم يلبث ان ثبت ان تلك الحضارة هي الحضارة الحثية . ان ما سلط الاضواء على هذه الشعوب هو اكتشاف ما يربو على 10000لوحة مسمارية , في بوغازي كوي , موقع العاصمة الحثية حاثوشا . كانت اللوحات مكتوبة بعدة لغات , منها الاكادية والحاطية والحورية واللوية والسومرية , فضلا عن الحثية , وقد تبين انها وثائق حكومية .
  اصول الحضارة الحثية 
  لا نعرف الا القليل عن اقدم عهود الحضارة الحثية , قبل احتكاكها ببلاد ما بين النهرين . قدم الحثيون الى اسيا الصغرى قبل 2000 ق.م من اوروبا او روسيا الجنوبية . ويبدو ان الملك حاثوشيلا الاول في اواسط القرن السابع عشر ق.م وحد عددا من الدويلات , واختار بلدة حاثوشا مركزا اداريا له . والظاهر ان قوة الحثيين نمت بسرعة , فقد استطاع مورشيلي الاول , في اوائل القرن السادس عشر ق.م لا ان يحتل سوريا وحسب , بل ان يزحف ايضا على بابل ويكتسح المدينة ويقضي على السلالة التي كان حامورابي اعظم ممثليها . كان اخر ملوك الحقبة المعروفة بالمملكة القديمة تيليبينو ( حكم 1525 ؟- 1500 ق.م ) الذي اشتهر بالمرسوم الذي حدد قواعد سلوك الاشراف والملك .
  بعد مرور فترة لا يتوفر عنها الا القليل من الدلائل , ظهرت الامبراطورية الحثية في حوالي 1460 ق.م . كان اول ملوك السلالة الحديثة فيما يبدو توتحاليا الثاني الذي يروى انه احتل حلب . ويبدو ان ميتاني , وهي دولة اسسها الحوريون في شمالي ما بين النهرين , هي التي اوقفت اي تقدم اضافي للحثيين .
  الا ان الوضع تغير فجأة بصورة حاسمة عندما استولى شوبيلوليوما على العرش في حوالي 1380 ق.م . فقد حصن مدينة حاثوشا , وفي حملة رائعة , دحر ميتاني والدويلات السورية التابعة لها . ا لا ان قرقميش , التي كانت تسيطر على معبر هام على الفرات , حافظت عل استقلالها , فاضطر شوبيلوليوما ان يجهز  حملة ثانية اجتاح بها هذا الحصن , واحتل سوريا بكاملها , من الفرات حتى البحر .
  توفي شوبيلوليوما حوالي 1346 ق.م , وبرهن ابنه مورشيلي الثاني على كفاية مماثلة لكفاية ابيه , فهزم بلاد ارزاوا الى الغرب , وقمع ثورة في سوريا . ورث الملك التالي , موواتلي , امبراطورية مستقرة مزدهرة , الا ان مصر كانت عازمة , في عهد رعمسيس الثاني ( حكم 1304 -1237 ق.م ) , على استعادة ممتلكاتها والنفوذ الذي كانت قد فقدته في سوريا . فالتقى الجيشان في قادش على نهر العاصي , ادعت مصر انها احرزت انتصارا حاسما , ولكن يبدو ان الحثيين استطاعوا ان يصمدوا على الاقل , ويحافظوا على نفوذهم في سوريا . ثم تحسنت العلاقة بين الدولتين , حين اصبحت اشور تشكل خطرا عليهما معا , وفي حوالي 1284 ق.م , وقعا معاهدة صداقة وعدم اعتداء .
  نهاية الامبراطورية الحثية 
 تنقطع سجلات الامبراطورية الحثية فجأة في اواخر القرن الثالث عشر ق.م , عندما تدفق غزاة هندواوروبيون يعرفون " بشعوب البحر " على المنطقة قادمين من اوروبا . فقد هرب الحثيون الى الجنوب , عندما اجتاح الفريجيون اسيا الصغرى , ومع ان الحثيين فقدوا وطنهم , فقد بقيت حضارتهم على قيد الحياة , اذ اسس هؤلاء اللاجئون مجموعة من الدول - المدن في سوريا الشمالية التي كانت قد خضعت للسيطرة الحثية مدة طويلة . ان معظم الادلة الاثرية مستمدة من هذه الحقبة الحثية الحديثة , لا من الحقبة الامبراطورية القديمة . كانت كتابة هذه الممالك الصغيرة حثية تصويرية - رمزية , ولكن لغتها كانت في جوهرها لووية بحيث يمكننا الافتراض ان الحثيين لم يؤلفوا بالضرورة اكثرية السكان .
  بنية المجتمع الحثي 
  لم تستطع الدول - المدن الحثية الحديثة , التي كانت في الغالب معزولة جغرافيا , ان تتحد بصورة فعالة ضد قوة اشور المتصاعدة . فبعد استيفاء الجزية طبلة سنين عديدة , وقمع بعض الثورات الطارئة , قررت اشور في عهد تيغلات الثالث ( حكم 744 - 727 ق.م ) ان تضم الممالك السورية الى امبراطوريتها , وما ان اكتمل القرن الثامن ق.م , حتى باتت الامبراطورية الحثية في ذمة التاريخ .
  في الحقبة التي تنتهي في اواخر القرن الثالث عشر ق.م , كان الملك الحثي هو الذي يصدر القرارات النهائية حول القضايا العسكرية والدينية والقضائية (5) , مع انه لم يكن يحتل مركز السيطرة كنظيره في بلاد ما بين النهرين . ولدى وفاته , كان ينضم لصفوف المعبودين , حتى كانت عبارة  "اصبح معبودا" عبارة مستحبة عن وفاة الملك . وكان للملكة ايضا اهمية , اذ كانت تلعب دورا في شؤون الدولة . كذلك اصبح التحيز للاقارب شائعا , بحيث الت معطم المناصب العليا لاقارب الملك , كما يبدو انه كان ثمة طبقة خاصة من الاشراف وملاكي الاراضي تتمتع بالامتيازات . اما افراد عامة الشعب , فقد كانو يعملون كزراع وصناع وعمال , ولم يكن ابناء طبقة الخدم , رغم تمتعهم ببعض الحقوق القانونية , اكثر من عبيد . 



(1) نقش هذا النسر ذو الراسيين على ظهر تمثال , في الاجا هويوك في تركيا , وهي مدينة تعود الى العصر الحثي الامبراطوري . يقبض النسر ببراثنه على ارنبين بريين يديران وجهيهما الى الخارج , على غرار رأسي النسر . كان يقف على ظهر النسر شكل لحق به اليوم عطب كبير , لعله كان شكل احد المعبودات . يظهر رمز النسر ذي الأسين ذاته ايضا كقاعدة لشكلين قائمين بين منحوتات يازيليكايا . ويظهر طائر ذو رأسين في اماكن اخرى من العالم القديم , مثلا على قطعة عاج من اسبرطة , تعود الى العصر الهندسي المبكر . وعلى معبد واقع في تاكسيلا .
 (2) من المعبودات الرئيسية في مجموعة المعبودات الحثية بالاناضول معبود الطقس تيتوب (ا) ومعبود الشمس الانثى ارينا (ب) . يبدو تيتوب هنا في احد تماثيل القرن التاسع , في وضعه المألوف , وقد امتشق ومضة البرق ( التمثال موجود في متحف حلب ) . خلافا لبلاد ما بين التهرين , كان الاناضول منطقة سحاب وعواصف . كان الملك يستنجد في ساعات الحرب والخطر بمعبوده الشمس الانثى التي تبدو هنا متشحة بقلادة من عصر الامبراطورية . كانت المعبودة الشمس هي الحارس الاعلى للدولة الحثية 
 (3) كشفت الحفريات في قرة تيب , الى الشمال الشرقي من اضنة , عن نقش بلغتين , الحثية التصويرية والفنيقية , مما سهل فك رموز اللغة الحثية .
 (4) عند بوابة ابي الهول في الاجا هيوك في تركيا الوسطى , نحتت تماثيل ابي الهول , بصورة مستديرة تقريبا , وهي امر نادر في الفن الحثي . عثر ايضا بين الانقاض على عدة رسوم نافرة تمثل حيوانات وموسيقيين ومشعوذين , فضلا عن راعي يرعى قطيعه . وكثيرا ما عثر هنالك على مدافن لمن سبقوا الحثيين تعود الى الالف الثالث ق.م وتحوي اشكالا لحيوانات مصنوعة من الفضة والبرونز , واباريق وطاسات وحليا ذهبية . 
 (5) معظم المنحوتات الحثية التي وصلتنا هي رسوم نافرة ضخمة حفرت في الصخر , واقترنت في الغالب بنقوش بالحثية التصويرية ( التي هي غير المسمارية ) , هناك كذلك عدد كبير من الاشكال الجميلة الصغيرة , مثل هذا التمثال المنمنم ( يبلغ ارتفاعه 4,2 سم ) لرجل , لعله ملك , يرتدي رداء تاما ذا اكمام قصيرة . عثر على هذا التمثال في يوزغات بالقرب من بوغاز كوي , ويعود الى حوالي القرن الرابع عشر ق.م .
 (6) يقوم معبد يازيليكايا الرائع مشرعا نحو الهواء الطلق , وقد نحت في الصخور الواقعة خارج جدران حاثوشا العاصمة الحثية , في المشهد الرئيسي يظهر معبود الطقس تيشوب واقفا على جبل مقدس , وتقف امامه قرينته مع ابنه , وتحته تقف مجموعة من معبودات الحوريين . في اخريات سني الامبراطورية , وقعت الديانة الحثية تحت التأثير الحوري القوي , كما يتبين من النقوش الظاهرة في الرسم .
 (7)يقوم هذا الرسم المحفور في الصخر قرب افريز في جبال طوروس شاهدا على النمط الارامي في النحت الحثي . كما يتبين خاصة من قبعة المعبود وخصل شعره وشعر الملك الواقف بحانبه . لقد سهل اقتران الرسوم النافرة بالكتابة التعرف على الهوية الحثية لانصاب اخرى عثر عليها عام 1880 في امكنة مختلفة من اسيا الصغرى , لا سيما في بوغاز كوي ويازيليكايا .
(8) هذا الاسد المحفور في صخر من البازلت موجود في ملاطية , ويعود على الارجح الى حوالي 1000 ق.م , وهو شاهد جيد على فن النحت في الحقبة الحثية الحديثة , عندما اصبح استعمال الاسود المنحوتة من الصخر شائعا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق