الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

العرب الاقدمون (1)

   بلاد العرب اسم يطلق على شبه الجزيرة الكبيرة التي يطوقها الخليج العربي وخليج عمان من الشرق , وبحر العرب من الجنوب , والبحر الاحمر من الغرب , وتمتد في شمالها بادية ثلاثية الشكل تسمى بادية الشام . لذلك يسمي العرب بلادهم بالجزيرة العربية .
  اطراف الجزيرة جبلية مرتفعة الا في شواطئ الخليج , وفيها حرات بركانية . وتمتد في وسطها هضبة نجد التي تطيف بها بعض الصحاري الرملية , وبعض الاودية العرضانية الجافة . يتعرض جنوب الجزيرة وشرقها للامطار الموسمية التي سمحت بظهور حياة زراعية مبكرة على السفوح وفي الاودية ما بين عمان واليمن , بينما يسود الجفاف معظم الجزيرة وتنتشر الواحات في الحجاز ونجد والاحساء (1) .
  الارض والتاريخ الاقدم
  كانت المناطق الجبلية والواحات مستقرا للتوطن البشري المبكر , ولقيام نشاط زراعي واعمال مطردة التطور من الري والبناء والحياة الاجتماعية , بينما كان جفاف المناطق الباقية لا يسمح بأكثر من ظهور حياة الرعي والتنقل البدوي . لكن موقع الجزيرة الجغرافي بين مناطق الحضارات القديمة جعلها منطقة طرق تجارية هامة على الدوام . هكذا كان سكان الجزيرة عبر القرون ذوي نمطين من الحياة , حياة حضرية مستقرة قوامها الزراعة والتجارة والحرف وحدتها القرية والمدينة , وحياة رعوية متنقلة وحدتها القبيلة التي تعمل ايضا على النقل التجاري مستخدمة الحمير في القديم ثم الحصان والجمل منذ الاالالف الثاني ق.م .
  كان التنائي بين البلاد التي تتوسطها جزيرة العرب وتنوع المنتجات فيها من اسباب تميز التجارة العربية على الدوام بالندرة والقيمة والشهرة بالتوابل والبخور واللبان والمر والقرفة والطيوب , وهذا ما كان يعطي الجزيرة , على حد قول هرودوت , نكهة الهية .
  التاريخ الاقدم للجزيرة مجهول في معظمه . اصطلاح "العرب البائدة " الذي استخدمه النسابون الاسلاميون ليدلوا به على الجماعات العربية القديمه التي انقرضت , لا يقدم سوى معلومات اسطورية عن العهود القديمة .
الاخبار التاريخية عن العرب الاقدمين كانت , حتى عهد قريب , لا تجاوز بعض المعلومات عن اليمن القديمة منذ القرن العاشر ق.م , ثم بعض المعلومات المتناثرة عن الجاهلية ومكة قبل البعثة النبوية . غير ان اعمال المسح الاثري والتنقيب الاخيرة اضافت الى تاريخ الجزيرة الاقدم فصولا جديدة اوغلت به الى ثلاثة الاف سنة في الماضي ايضا .
  شرق الجزيرة العربية ومملكة دلمون
  الجوانب الشرقية من الجزيرة كانت , بسبب موقعها وامطارها , قديمة الاستطيان والتحرك الحضاري . اثار الخليج العربي وعمان تكشف ان هذه المنطقة كانت موطن جماعات بشرية استقرت واقامت الحضارة منذ الالف الرابع ق.م , حتى عصر الميلاد , وكانت صلة الوصل بين حضارات حوض السند وحضارات الرافدين القديمة , ادلة ذلك نجدها في الكشوف الاثرية العديدة على امتداد الخليج . في جزيرة ( فيلكة ) بالكويت , عثر على اعداد من المعابد (3) والابنية (2) والتماثيل (7) والاختام (3) والنقود (4) يمتد تاريخها على 3 الاف سنة ق.م , ونجد اثار مماثلة في جزيرة تاروت وتلال مستوطناتها الهلينية بالاحسا , وفي بلدة ثاج الداخلية التي كشف فيها وبالقرب منها عن مدينتين ذواتي طابع سلوقي لاحداهما سور ضخم ( 900 م ) بالاضافة الى موقعي دارين والجهراء المشهورين هناك .
  اما البحرين , وهي اهم المواقع , فالمؤرخون يعرفون فيها دلمون الواردة في الكتابات المسمارية . وفيها مواقع اثرية عديدة رغم صغرها , منها موقع بربار الذي وجدت فيه بقايا فخارية (5) واسلحة وتماثيل ومعابد وحلي . ومنها قلعة البحرين التي كشف عندها عن ست مدن تتطبق بعضها فوق بعض , اقدمها من الالف الثالث ق.م , ومنها تلك المدافن المنتشرة في شمال جزيرة البحرين والتي تزيد على مئة الف مدفن من عصور مختلفة .
  كانت مملكة دلمون تشمل الاحساء وشواطئ الامارات , على مدى عشرين قرنا . رغم ذلك فتاريخها غامض . بدأت مملكتها القديمة سنة 2500 ق.م . وفي ايام حمورابي ظهرت مملكتها الوسطى . منذ اواسط القرن 13 ق.م يظهر ما يسمى بالمملكة المتأخرة . حوالي القرن الخامس طغت عليها سيطرة الاخمينيين على الخليج . معتقداتها الدينية مزيج فيه الاثر الهندي (6) .
  المواقع الاثرية في عمان
  اذا تجاوزنا مواقع مماثلة في ام النار وهيلي ( في الامارات ) الى سواحل عمان , وجدنا بعثات المسح الاثري تكشف على امتداد الوديان الكثيرة عشرات المستوطنات البشرية , من الالف الثالث حتى الالف الاول ق.م , معظمها قرى ذات بناء مركزي مسور بالحجارة الضخمة (3) , تدل اثارها على انظمة زراعية متقدمة بنيت لها الابراج والسدود , وفي بعضها مواقع للتعدين وصهر النحاس , مع شواهد عديدة للعلاقات التجارية .
  تميزت كل مواقع الحضارة في الخليج وعمان بالملاحة التجارية وبعلاقاتها مع حوضي السند والرافدين . وكانت سفنها تحمل الذهب والفضة والاحجار الكريمة والاصداف والنحاس والنسيج واللؤلؤ والاواني الفخارية والحجرية والتمر .



(1) تعددت مواقع الحضارة في الخليج العربي على ساحليه الغربي والجنوبي , توخي الامن جعل الجزر مثل فيلكه ,تاروت , دلمون ,هي المراكز المفضلة للتجار بالاضافة الى المواقع المحمية كالجرعاء , اما جنوب الخليج فان كثرة تداخل الساحل مع البحر سمح بظهور مراكز حضرية ساحلية مثل ام النار وهيلي 

(2 ا) كان السلوقيون يسمون جزيرة فيلكه ايكاروس , ويتخذونها محطة تجارية ومركزا دينيا معا . وجدت فيها اثار ثلاثة معابد على الاقل ذات طراز هليني سواء في الاعمدة والواجهة او في المذبح وطريقة البناء الحجري او في التماثيل والكتابات الاغريقية , ويبدو انه كان للجزيرة حاكم وفرقة دفاع , فقد ظهرت فيها اطلال قلعة (ا) مربعة الاضلاع (200 قدم ) ذات اسوار وابراج وخندق ولها بوابتان وفي داخلها معبدان وتعود الى القرن الثالث ق.م , وقد بنيت فوق موقع سكني يعود في القدم الى الالف الثالث ق.م . الصورة (ب) مخطط لواحدة من مئات المستوطنات القديمة في وديان عمان . بقاياها الاثرية تعود ايضا الى الالف الثاني والثالث ق.م . منها اثار مدينة مدورة قرب بات . فيها فخاريات كثيرة وادوات برنزية ونحاسية . 


(2 ب)















(3) تشكل الاختام جانبا من اللقى الاثرية التي يقدرها الاثريون في الشرق القديم ويستخرجون منها المعلومات الكثيرة . عي في الاصل محاولة لاعطاء الشكل الرسمي واللتوثيق بين التجار في مواقعهم المتباعدة , منها الشكل الاسطواني الذي يدرج درجا على الطين ومنها الختم المدور او المربع الذي يبصم بصما . اختلاف الرسوم على الاختام وما تقصه من القصص وتعبر عنه من المعتقدات يجعلها من مصادر التاريخ . 

(4) وجدت في جزيرة فيلكا بين اللقى الاثرية من الفخار والتماثيل والاختام والقناديل مجموعة حسنة ايضا من النقود , تم اكتشافها بالقرب من معبد سوتر في الجزيرة , وهي ترجع الى العهد السلوقي . من هذه النقود - وهي فضية في معظمها - هذان النموذجان , يظهر على احد الوجهين صورة كبير المعبودات زيوس وعلى الوجه الاخر صورة هرقل . 

(5) صنع الفخار قائم في جميع الحضارات القديمة . والتفنن في اشكاله واتقانه وتزيينه هو الذي يميز حضارة عن اخرى كما يكشف العلاقات الانسانية بين الحضارات , في الاشكال المصورة نماذج من الفخار ومن زخرفته في الخليج العربي القديم . 

(6) اذا كان لحضارة دلمون طابعها التجاري , وكانت القبور تطغى باعدادها على اثارها الاخرى , فالموتى هو الجانب المسيطر , فقد كان لها ايضا جانبها الديني ومعبوداتها ونظامها الاسطوري الذي تمتزج فيه رموز الفلك كالثور ( الصورة ) مع العبادات الشرقية والهندية القديمة , ثم بجانب ما يسمى اليوم قلعة البحرين بقايا معبدين اقيما للمعبودين بربار وديراز , اللذين يظهر فيهما المزج بين الافكار الدينية في حوض السند وما بين النهرين . 

(7) صنع هذا التمثال من الطين المحروق على هيئة مبخرة , وهو واحد من عدد من التماثيل المحطمة التي اخرجت من معبد سوتر . وجدت في بعض المساكن الواسعة ( ولعله كان مصنعا للاهداء الى الالهة كنذور ) قوالب عديدة , امكن استخراج بعض النماذج من تماثيلها .

هناك تعليقان (2):