الاثنين، 2 مارس 2015

بلاد اليونان " بين 2800 - 1100 ق.م "

 تسرد ملحمتا هوميروس ( الالياذة والاوديسة ) اللتان كتبتا بين 800 - 700 ق.م , انتصارات ابطال يونانيين اسطوريين في عصر حروب طروادة . لكن على مر القرون , احاط الشك بوجود هذا العصر البطولي الذي يعود الى 1800- 1100 ق.م , الى ان اكتشف هاينريش شليمان ( 1822-1890) وهو عالم اثار الماني , في طروادة وميكينية ( منذ عام 1874 ) بقايا تدعم تلك الاساطير .
  بداية العصر البرنزي 
  بدأ العصر البرنزي اليوناني , ومركزه البر اليوناني , بأستعمال المعدن الذي كان ذا شأن في انعاش التجارة , وفي كسب الثروة المادية . في حوالي هذا الوقت ايضا , اخذ يحل محل الاقتصاد المقتصر على الحبوب وحدها , في سهول تساليا والشمال , اقتصاد قائم على الحبوب والزيتون والكرمة , وحوالي 2500 ق.م , كان احد البلاطات يعتمد على هذا الاقتصاد , وهو "دار الاجر" في ليرنا الواقع في سهل ارغوس . ولكن في حوالي 2200 ق.م . دمر ليرنا وسواها من المستوطنات المعاصرة العديدة غزاة قادمون من الشمال الشرقي , كانوا , على الارجح , اول السكان الذين اخذوا يتكلمون لغة ذات طابع يوناني معروف .
  في هذه الحقبة استحدث دولاب الخزاف السريع , والقاعة الرحبة ذات الاعمدة . وبعد ذلك بقليل , اخذت تظهر ادلة على تأثرتلك الحضارة بحضارة معاصرة لها , عي حضارة كريت المينوية (7).
  مع مرور الوقت , نشأت مدن قوية , مثل ميكينيا . الا ان الادلة الحقيقية الاولى على ازدهار حضارة البر اليوناني تتجلى في القبور النفقية في ميكينيا ذاتها , التي يعود معظمها الى القرن 16 ق.م . وهي تحتوي على ثروة حقيقية ضخمة من ذهب وفضة وبرونز وبلور واجر ويمكن الافتراض انها كانت مدافن لاسرة من الملوك ايضا تحكم مجتمعا غنيا وموحدا . ويكشف الكثير من الموجودات (2,3) تفاوتا بين صناعة مصقولة ومتقدمة , كريتية الملامح , وبين صناعة غير كريتية , هي صناعة الاسلحة والدروع وما اشبه (5) .
  اصبح هؤلء اليونان القدماء ملاحين ايضا . وربما كانت بعض الموجودات في القبور النفقية , من صنع مصري , وصلت الى اليونان عن طريق التجارة , بدلا من ان تكون كريتية او يونانية . اذ ان اليونانيين كانوا حريصين على الحصول على المزيد من السلع التجارية من الخارج , فأقدموا بفضل ثروتهم الزراعية على المغامرات في البحر .
  امتداد الحضارة الميكينية 
  الا انهم وجدوا فرصتهم الكبرى عندما انهارت قوة المينويين , وربما كان ذلك في اعقاب انفجار بركان ثيرا المدمر , حوالي 1450 ق.م . فقد حرر ذلك طرق البحر المتوسط التجارية الغنية التي كان الكريتيون يسيطرون عليها حتى ذلك الوقت . استغل سكان البر اليوناني , الذين لم تمسهم الكارثة نسبيا , الوضع الجديد استغلالا كبيرا . ففي الشاطئ الشرقي للمتوسط ومصر , ارتفع سعر اواني الفخار التي كانوا يصنعونها , والتي كانت تطلب لذاتها , ومن اجل الزيت المعطر الذي كان يصدر فيها , وتقدر ايما تقدير مثلا في تل العمارنة عاصمة اخناتون المصرية الحديثة التي بنيت 1350 ق.م . وكانت سفنهم تحمل ايضا النحاس القبرصي . وقد نشأ مرفأ تجاري هام باتجاه الغرب في تارنتو , بايطاليا الجنوبية , لنقل المزيد من النحاس من سردينيا وجبال الالب الشرقية , والكهرمان من البلطيق النائي , الى ان احتل الميكينيون كريت نفسها , فاعادوا بناء القصر في كنوسوس كمركز لسلالتهم الجديدة .
  مارس ا لصناع في مدن اليونان حرفهم المختلفة , وانتجوا المصنوعات المعدنية والفخار والسلع سريعة العطب . واصبحت المدن ذاتها اكبر واقوى وانسب موقعا , فرفعت الجدران ووسعت , وانشئت انظمة لتأمين مد المياه بصورة مضمونة . واخذت القصور التي كانت تبنى على اساس تصميم القاعة الكبرى القديم تزخرف بدقة برسوم من الجص .
  ولتسهيل هذا المستوى الرفيع من التجارة والصناعة  والادارة , كان لا بد من الكتابة . كان المينويون في كريت قد استنبطوا كتابة مقطعية خاصة بهم لم تفك رموزها بعد . وجد هذا الخط منقوشا على لوحات , ودعاه علماء الاثار بالكتابة السطرية " نوع ا " . تبنى الميكونيون هذه الكتابة بصورة فظة , ولكنها مضبوطة , لكتابة لغتهم اليونانية . فعرفت بالكتابة السطرية " نوع ب " (8) .
  حضارة البر اليوناني تتقهقر 
  يصعب فهم المراحل النهائية من تاريخ اليونان في العصر البرونزي . لكن احدى الروايات تقول ان غزاة اشداء قدموا من الحدود الشمالية الغربية , هم الدوريون , واجتاحوا مدن الجنوب فدمروها جميعا , باستثناء اثينا . وتقول رواية اخرى ان الميكينيين فقدوا حماسهم التوسعي حوالي 1200 ق.م واشتبكوا في حرب اهلية ( تمثلت في حصار طروادة ) , حتى دمروا انفسهم بانفسهم .
  في البر اليوناني , لم يعرف العصر اللاحق الا القليل عما كان قد جرى قبله فحلت محل المدن المزدهرة قرى فقيرة , ومحل القبور العظمى حفر بسيطة , ومحل الروائع المصنوعة من الآجر والفضة والذهب اوان رخيصة . اما التقدم الوحيد الذي تحقق في هذا العصر القاتم , المدعو احيانا بالعصر المظلم , فقد كان التعرف على صناعة الحديد .

(1) كان موطن الميكينيين هو البيلوبونيز وأجزاء اليونان المجاورة المحيطة بمنطقة ارجوس وميكينيا ذاتها , هنا انشأوا الشكل الخاص بهم من الحضارة التي كانت مزدهرة انذاك في كريت وبأستيلائهم على تجارة المينويين البحرية امتد نفوذهم الى الجزر والسواحل المحيطة ببحر ايجه وما ورائها , هذه المقاطعات الشاسعة لم تؤلف قط دولة موحدة , بل كانت على الارجح تؤلف مجموعة من الممالك المتحالفة .
(2) من الموجودات الصغيرة الجميلة في ميكينيا هذه المنحوتة العاجية التي لا يتجاوز ارتفاعها 6 سم , والتي تمثل امرأتين وطفلا . يظهر التأثير المينوي بوضوح في كل من الثوب والحفر .
(3) تشهد الخناجر البرونزية التي وجدت في قبور نفقية تعود الى حوالي 1550 ق.م على مهارة فنية فائقة في الترصيع بالذهب والفضة والنيل . بعضها يمثل حيوانات بحرية , لكن احد الخناجر يمثل بأسلوب مينوي " هرا صيادا " له ملامح البر القوية , وثمة اسد يهاجم غزالا , فيما يهرب اثنان اخران . يبلغ طول هذا الخنجر 23,5 سم , وهو احد الكنوز التي اكتشفها شليمان , عالم الاثار الالماني , في القبر النفقي الرابع .
(4) جاءت بعد القبور النفقية في ميكينيا قبور مقببة مبنية من الحجر , واجملها البناء المدعو " خزينة اتريوس " الذي يعود الى حوالي 1320 ق.م . يؤدي ممر ذو جدران الى بوابة ضخمة جدا واقعة في التل . وفي الداخل , تغطي قبة مزخرفة حجرة مستديرة . نهبت الجثث والموجودات الخاصة بالقبر منذ زمن بعيد , لكنه عثر على قبور اخرى اصغر من ذلك .
(5) قد يكون لهؤلاء المحاربين الميكينيين جانب مضحك في نظرنا . الا ان التحصينات والاسلحة والدروع التي اكتشفت تدل على ان الحرب كانت عاملا هاما في حياة ذلك العصر.
(6) يبين هذا القناع الذهبي شخصا ميكينيا من حوالي عام 1550 ق.م , عليه سيماء التكبر , وقد عثر عليه هاينريش شليمان عام 1876 في القبر النفقي الخامس . 
(7) تأثر الميكينيون كثيرا بالمينويين . فهذه الكأس الذهبية من فافيو قرب اسبرطة هي من صنع محترف من البر اليوناني ربما كان قد تدرب على الاسلوب المينوي , ان لم تكن قد صنعت في كريت نفسها .
(8) جاء الخط المقطعي من كريت . كانت الكتابة السطرية " نوع ب " تستعمل على نطاق واسع في كتابة الوثائق التجارية , كما يتبين من لائحة الاعشاب هذه التي وجدت في ميكينيا . واللغة المستعملة كانت شكلا مبكرا من اليونانية .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق