الجمعة، 5 يونيو 2015

الفنيقيون " 1500-332 ق.م "

 منذ القرن 25 ق.م . وما بعده , اخذت تتكاثر , في شمال سوريا خاصة وحتى جنوبها , هجرة بشرية كبيرة مصدرها الجزيرة العربية . سماها السومريون باسم عمورو ( اي الغربيين ) لانها نزلت في غربهم واعطوا الاسم نفسه لسوريا . بين القرنين 25 - 20 ق.م . كان شمال سوريا وحوض الفرات الاوسط عموريا . وبعد ان اسس العموريون دولة على هذا الحوض , عاصمتها ماري , سيطروا على بابل , وكانت منهم السلالة التي ظهر فيها حمورابي .
  عرف الذين توطنوا من هذه الجماعات المهاجرة في وسط سوريا حتى فلسطين بالكنعانيين . اما الذين نزلوا على طول الساحل السوري واسسوا عليه مجموعة من المدن التجارية المستقلة , فقد سماهم الاغريق بالفونيين , وهو الاسم الذي شاعت كتابته اليوم بالفنيقيين . 
  قامت شهرة الفنيقيين على اعمالهم البحرية الواسعة في البحر المتوسط , وتجارتهم الناجحة , وعلى ما اسسوا من المستوطنات التجارية والمدن الهامة على شواطئه , وجزره المختلفة , كما عبروا مضيق جبل طارق متجهين شمالا حتى انجلترا , وجنوبا حول قارة افريقيا . لهذا كان تاريخ فينيقيا هو تاريخ مدنها ومستوطناتها العظيمة , لا سيما اوغاريت وجبيل وصور وصيدا وقرطاجة وقادس . 
  علاقات الفنيقيين مع جيرانهم 
  حافظت المدن الفنيقية ,  على غرار الدول - المدن في اليونان القديمة , على استقلالها الواحدة عن الاخرى . الا ان صيانة استقلالها من جاراتها الاقوى لم يكن بالسهولة نفسها . ففي اوائل القرن السادس عشر ق.م , استوفت مصر الجزية من تلك المدن , ثم اخضعتها لسيطرتها . بقي النفوذ المصري قويا في فينيقيا لمدة طويلة , الا  ان النفوذ المادي والثقافي لبلاد ما بين النهرين اخذ في التزايد , كما يتبين بوضوح من الكتابة الفينيقية المسمارية والادلة المستمدة من المصنوعات المحلية . فبعد حقبة من السيطرة الحثية , استوفى الملك الاشوري تغلات فلسر الاول ( ملك 1115 ؟ - 1077 ق.م ) الجزية من المدن الفينيقية . استعادت فينيقيا حينئذ حرية التصرف , وعقب ذلك فترة من الرخاء العظيم وامتداد واسع في ارجاء حوض البحر المتوسط وما وراءه .
  مع ذلك عندما اخذت سلطة اشور تقترب من ذروتها , تحول الفتيقيون مرة ثانية الى شعب محكوم , خاضع اولا لاشور ناصر بال الثاني وابنه شلمنصر الثالث في القرن التاسع , وبعد ذلك لتغلات فلسر الثالث في القرن الثامن . في القرن التالي , اجتاحت جيوش اسر حدون معظم فينيقيا . صمدت صور , لكنها استسلمت اخر الامر للبابليين في عهد نبوخذ نصر الثاني ( 604 - 562 ق.م ) بعد ذلك اصبحت فينيقيا جزءا من امبراطورية قورش الكبير الفارسية . الا انها بقيت قوة بحرية لا يستهان بها . ولكن التشكيلة البحرية التي امدت بها اسطول احشورش ( 519 ؟ - 465 ق.م ) في حملته على اليونان اصيبت بقسطها الفادح من الهزيمة في معركة سلاميس عام 480 ق.م . ضم الاسكندر الكبير ( 356 - 323 ق.م ) فينيقيا الى امبراطوريته في اعقاب انتصاره في معركة ايسوس عام 333 ق.م , وفتحه لمدينة صور عام 332 ق.م .
  التوسع الفينيقي
  بدأ عصر التوسع والاستيطان في تاريخ فينيقيا في القرن الثاني عشر (ق.م) . كانت قد اقامت لها مستوطنات في قبرص وفي البحر الايجي , وكانت للفينيقيين مستوطنات في رودس , وعلى الارجح في كريت ايضا , الا ان الادلة على وجود فينيقي في البر اليوناني مقصورة على الادلة الكتابية . كذلك لا توجد ادلة محسوسة على استيطان فينيقي في ايطاليا , مع انه كانت لهم علاقات تجارية قوية معها . اما في الحوضين الاوسط والغربي للبحر المتوسط فقد اسس الفينيقيون سلسلة من المستوطنات والمدن , وطدت نفوذهم في تلك المناطق . وكان منها عدة مستوطنات على ساحل افريقيا الشمالية (3) اشتملت على اوتيكا وحضرومتوم ( وتدعى سوسة اليوم ) ولبتس الكبرى ( لبدة) . لكن اعظم هذه المستوطنات على الاطلاق هي قرطاجة (7) ( قرت حدش = المدينة الحديثة ) التي قامت صور , المدينة الام , اخر الامر بتأسيسها , حتى ازدهرت وسيطرت على معظم المستوطنات الفينيقية الغربية وان  لم تحكمها فعلا . اهم هذه المستوطنات قادش (قادس) وابيسوس (ابيزا) التي اسستها قرطاجة في منتصف القرن السابع ق.م , وقرطاجة الجديدة ( قرطاجنة ) التي اسسها هاصدر بعل صهر حن بعل ( هانيبال ) عام 228 ق.م ( بين الحربين الاولى والثانية من الحروب البونيقية ) لكن الحرب الثالثة انتهت بتدمير قرطاجة نفسها , على يد روما , بسبب التنافس التجاري والسياسي بينهما .
  ارث ادبي خصيب 
  القى امتشاف نصوص اوغاريت ( رأس شمرا , قرب اللاذقية في سوريا ) المسمارية ضوءا كبيرا على اساطير ومعتقدات المنطقة , في الحقبة السابقة للعصر الحجري . ومع انه لم يصلنا سوى عدد ضئيل من النقوش والوثائق الخاصة بالادب الفينيقي نفسه الذي كان خصبا فيما مضى , فهذه المخلفات بالغة الاهمية من ناحية الكتابة ايضا , لان الابجدية الفينيقية كانت اساس الابجدية اليونانية والابجديات السامية الاخرى كذلك . كان الفينيقيون يتكلمون لغة سامية كتبوها بابجدية مؤلفة من 22 حرفا ساكنا , لا حروف صوتية فيها .   
  


 (1) هذه المنحوتة العاجية ربما كانت تمثل عشتار , معبودة الخصب عند البابليين التي تقابلها عند الفينيقيين انات (عشتروت) وكانت احدى المساعدات الرئيسيات للمعبود الكنعاني بعل .
 (2) يعود هذا التابوت المصنوع من حجر الكاس الى القرن الثالث عشر ق.م . ولكن الملك حيرام تاجبيلي استعمله ثانية , في اوائل القرن العاشر . يظهر الملك جالسا على العرش وقد احاطت به مجموعة من اشكال ابي الهول المجنحة . تدل زهرة اللوتس الذاةية في يده انه قضى نحبه . امامه مائدة حافلة بالماكل , ويتقدم منه موكب من الخدم , فوق هذا المشهد طنف مصري الطابع مزين بزهرة اللوتس . وتحته اربعة اسود تذكرنا اكثر بالرسوم الاشورية او الحثية النافرة , على غطاء التابوت يظهر واحد من اقدم امثلة الكتابة الفينيقية .
 (3) بسطت قرطاجة النفوذ الفينيقي في اسبانيا وسردينيا وافريقيا الشمالية , وكان للفينيقيين عدة محطات في صقلية الغربية . في عام 480ق.م قام القرطاجيون بحملة فاشلة على الشمال , لاسعاف احشورش الفارسي , وفي اواخر القرن الرابع خاضوا حربا فلشلة ضد سرقسطة .
 (4) تظهر شجرة الحياة , رمز الخصب عند البابليين والاشوريين , مع زهرة اللوتس المصرية على هذه اللوحة العاجية الفينيقية التي وجدت في احد القصور الاشورية , وهي تبين مدى انتشار التجارة الفينيقية , وبالتالي التأثيرات الثقافية بين شعوب المنطقة .
(5) يعود هيكل المسلات في جبيل , اقوى المدن الفينيقية في العهد المصري , الى اواسط العصر البرنزي , كانت هذه المعابد تشمل انصابا او اعمدة اقيمت تعظيما للاصنام , او احتفالا بحرق الموتى , او لتعيين مواقع دفن اشياء مهمه .
(6) كان الفينيقيون مهرة في صياغة الذهب , وهو فن يقال انهم تعلموه من الميكينيين والمصريين , عثر على هذا الخاتم الذهبي الذي يعود الى القرن الخامس او السادس ق.م في تاروس بسردينيا .
(7) استعمل معبد تانيت في سلامبو طيلة تاريخ قرطاجة . كانت تانيت اسما اخر لانات او عشتروت اهم المعبودات عند الفينيقيين . اكتشف عدد من الانصاب والنقوش التكريسية في المعبد , الا ان اغرب اكتشاف كان الاف الانية المحتوية على رماد اطفال قد احرقوا , وذلك دليل واضح على ممارسة تضحية الاطفال في قرطاجة .
(8) كان لولي , ملك صور وصيدا قد عقد حلفا مع مصر وتصدى ما امكنه للغزو الاشوري . الا ان سنحاريب ملك اشور ( حكم 704-681 ق.م ) اجبره اخر الامر على الهرب الممثل في هذه اللوحة النافرة ( المفقودة الان ) والتي عثر عليها في نينوى , يمثل الرسم نوعين من السفن , الطويلة التي مهدت لظهور " الطريم " وكانت تستعمل للحرب والاستكشاف . والسفن المدورة التي كانت تستعمل في التجارة . كانت لكل من هذين النوعين من السفن مجاديف للتوجيه على كلا جانبي المؤخرة , وكان ظهر السفينة مزينا بالتروس .
(9) ملك صيدا , اشمونصر الثاني الذي قد يكون حكم في القرن السادس , دفن في هذا التابوت المصنوع من البازلت الاسود على الطراز المصري المحض .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق