الأحد، 28 يونيو 2015

الاشوريون

 يرجح المؤرخون ان الجماعة الاشورية قد خرجت من الجزيرة العربية مع الاكاديين والهجرات الاولى حوالي 3000 ق.م . اوقبل ذلك . لكنها نزلت في الشمال , في سهول دجلة حيث ظهر كيانها , ثم انشأت الدولة الاشورية ( عاصمتها اشور ) التي خضعت اول الامر للسيطرة البابلية . اكتسب الاشوريون الكثير من ثقافة جيرانهم السومريين والحثيين , كما تمرسوا بحياة الحرب والقتال , مما جعلهم في عهد شمشي حدد الاول , اواسط القرن 18 قوة عسكرية تمكنت في القرون التالية , وبخاصة منذ منتصف الالف الثاني ق.م , من التغلب على دولة ميتاني , والتوسع حتى جبال القفقاس شمالا , والخليج العربي والجزيرة العربية جنوبا . كذلك ضم الاشوريون سوريا ومصر في فترة من الفترات , الى امبراطوريتهم .
  تأسيس الامبراطورية 
  برزت الدولة الاشورية كقوة مسيطرة في عهد شمشي حدد الثالث ( 1532- 1507 ) , وقد وسع حدد نيراري الاول ( حكم 1307- 1275ق.م ) حدود اشور حتى بلغت الفرات , وزحف شلمنصر الاول ( حكم 1274 - 1077 ق.م ) شمالا حتى سحق الحوريين , اخر الامر . اما اول الملوك الاشوريين العظام حقا فقد كان تغلات فليسر الاول ( حكم 1115؟ - 1077 ق.م ) الذي اعتلى العرش بعد فترة من عدم الاستقار في اسيا الغربية , وتوصل , بفضل سلسلة متلاحقة من الحملات العسكرية التي جمعت بين البراعة والقسوة , الى بسط سلطة اشور حتى اقصى الشمال والشمال الغربي . كما انه اجتاح سوريا , واستوفى الجزية من المدن التجارية الغنية على الساحل الفينيقي .
  استطاع تغلات فليسر , وان يكن مع بعض المشقة , ان يصد هجمات الشعوب الارامية القادمة من الصحراء الغربية . ولكن بعد وفاته , اجتاح الاراميون والكلدانيون سائر بلاد ما بين النهرين تقريبا , وهيمنوا هناك طيلة ما يربو على 150 سنة . وعندما اعتلى نيراري الثاني العرش الاشوري عام 912 ق.م , كانت مملكته رقعة مستطيلة لا تزيد على 100 ميل طولا و 50 ميلا عرضا . ولكن بحلول منتصف القرن السابع ق.م , عادت اشور فصارت اكبر واقوى دولة في العالم المتحضر.
  كان اشور ناصر بال الثاني ( حكم 883 - 859 ق.م ) (8) صاحب الفضل الاكبر في استعادة السيطرة الاشورية . فقد بنى الجيش حتى اصبح قوة مقاتلة لا تقاوم وقاده حتى شواطئ البحر المتوسط . في عاصمته الجديدة كلح ( نمرود ) , عند مصب نهر الزاب الكبير , شيد قصرا فسيحا , كانت تحيط بمدخله تماثيل ثيران مجنحة . لكنه اشترى عظمة اشور بالام اعدائها . وهناك نقوش عدة تشهد على اشكال العذاب الذي كان ينزله بالمحاربين والمدنيين على  السواء . واصل ابن اشور ناصر بال شلمنصر الثالث ( حكم 858 - 824 ق.م ) - وكان لا يقل عن والده غلاظة وقسوة - تجريد الحملات السنوية (7) , ولكن دون نجاح يذكر .
  الاندفاع الامبراطوري
  اضعف مركز اشور تعلقب سلسلة من الحكام الضعفاء على عرشها , اضافة الى تصاعد قوة مملكة اورارتو الى الشمال . كان الموقف يتطلب شخصية قوية وذكية لمجابهة الخطر , وكان من حسن حظ الاشوريين انهم وجدوا مثل هذه الشخصية في تغلات فلسر الثالث ( حكم 745 - 727 ق.م ) الذي تمكن من استعادة السيطرة لاشور .
  الا ان بابل كانت قد اخذت تقع تدريجيا تحت تأثير القبائل الكلدانية , التي كانت تسيطر على المناطق المجاورة , والتي استمرت في سياسة عداء شديد للاشوريين . فرد سنحاريب ( حكم 704 - 681 ق.م ) ردا عنيفا على ذلك , منصبا ابنه على عرش بابل . الا ان البابليين اعلنوا العصيان عام 694 ق.م , واستنجدوا بملك عيلام الذي جاء لنصرتهم ورد الامير الاشوري الى عقر داره . دامت الحرب القاسية التي نشأت عن ذلك خمس سنوات , وانتهت بتدمير مدينة بابل عام 689 ق.م غلى يد سنحاريب الذي اعلن نينوى عاصمة له واخذ ينفذ برنامجا واسعا من الاشغال العامة . كما انه اخضع معظم المدن الفينيقية وحاصر القدس . 
  بعد اغتيال سنحاريب , لم يتوان ابنه اسر حدون (حكم 681 - 669 ق.م ) (6) في اعادة بناء بابل . وكان سياسيا لامعا , يعرف متى يجب استعمال الحزم او الرحمة او المزج بينهما . بقيت سلطة اشور نافذة في الشرق , وكانت الدولة المنائية على الحدود الشمالية , دويلة صدام , تحت سيطرة اشور . اخمدت ثورة في فينيقيا بعد سبي سكان صيدا واعدام ملكها , الا ان اعظم نجاح سجله اسر حدون كان ضد مصر . فقد كانت الاسرة الحاكمة فيها تحرك الفتن في فينيقيا , فقرر اسر حدون ان يخضع البلاد لسلطته .
  سقوط الامبراطورية    
   قمع اشور بانيبال ( حكم 668؟ - 627 ق.م ) ثورة نشبت في مصر , وقهر تلك البلاد ثانية , ولما كانت بلادا واسعة وبعيدة جدا يصعب احتلالها بصورة دائمة (1) , فقد اوكل ادارتها الى الامراء المحليين , لكنه اضطر اخر الامر ان ينسحب من مصر , بسبب ثورة واسعة قادها اخوه ملك بابل بالتعاون مع عيلام . انتصر اشور بانيبال على الثوار عام 648 ق.م , وراح يباهي بان العالم كله بات تحت قدميه . ومع انه كان لا يرحم , فانه كان من رجال العلم . الا ان اشور لم تستطع الصمود في وجه حلف نابوبولاصر ملك بابل عام 625 ق.م مع الميديين , فلم تلبث ان انهارت , ودمرت نينوى تدميرا كاملا عام 612 ق.م واحترق ملكها في قصره .


 (1) بلغت الامبراطورية الاشورية اقصى امتدادها في القرن السابع ق.م , وذلك اثناء حكم اشور بانيبال ( حكم 42 سنة) . تعرضت شعوب البلاد المحتلة لقمع لا رحمة فيه , قام به جيشه الذي كان يتباهى بقسوته ويفتخر بها . كان اشور بانيبال يحكم بواسطة جهاز اداري فعال تشرف عليه الحكومة المركزية . مع ذلك انهارت سلطة اشور وجاءت بعدها مملكة بابل الجديدة .
 (2) تصور بعض اللوحات الحجرية , في نينوى , حصار سنحاريب لمدينة لخيش في فلسطين التي استسلم ملكها حزقيا اثر سقوط المدينة , يظهر في اللوح البادي هنا عدد من الات الحصار التي كان يستعملها الاشوريون .
 (3) وادي نهر الزاب , وهو من روافد دجلة في شمال شرقي العراق , يمثل تمثيلا حسنا طبيعة الارض التي كان يتألف منها قسم كبير من الامبراطورية الاشورية , في جزء كبير من المنطقة , جعلت الجبال الحياة والمواصلات تتمركز حول اودية الانهار .
 (4) هذا الزورق المصنوع من الجلد , ربما كان يحمل مواد بناء لقصر سنحاريب . يخبرنا هيرودوتس كيف كانت الزوارق الجلدية المستديرة تطفو على سطح مياه الفرات , وهي تحمل حمارا او اكثر بالاضافة الى حمولتها العادية , عند وصولها الى بابل , كانت الزوارق تفك وتطوى وتحمل على الحمير لمتابعة الرحلة برا , باتجاه ارمينيا 
 (5) يقوم الخدم بتدريب كلاب الصيد في الحديقة الملكبة , في هذا الرسم النافر المأخوذ من القصر الشمالي الخاص باشور بانيبال الثاني في نينوى . كان الاشوريون يعتقدون ان الملك يؤدي واجبا مقدسا حين يصيد الحيوانات البرية , كانت الاسود تجلب الى البلاد , حتى يستطيع الملك اظهار مهاراته في عمليات الصيد المترفه . كان اشور بانيبال " صيادا عظيما امام الرب " , وفي ايامه كانت الاسود تعيث فسادا في الادغال , على طول الفرات , وتفني البشر ايضا .  
(6) يظهر اسر حدون الحاكم الاشوري العظيم على نصب عثر عليه في زنجيرلي الواقعة في الشمال الشرقي من خليج الاسكندرون والى شمال غربي حلب . ينتصب الملك عاليا امام اسيرين يستعطفانه وهما موثقان بحبال ادخلت في شفافهما . اما الاسير الواقف امامه , فقد يكون بعلو , ملك صور , وان كان ذلك لا يعبر عن الواقع . 
(7) يظهر ياهو , ملك اسرائيل , وهو ينحني امام شلمنصر الثالث ( حكم 858 - 824 ق.م ) في هذه اللوحة من الواح بوابة بلوات . تخلد اللوحات عددا من حملات شلمنصر ضد بابل , وبلاد ما بين النهرين الشمالية , وضد سوريا التي عجز بعد عدة حروب عن اخضاعها كليا .
(8) يقف شخصان , ربما كان احدهما ( كما يستدل من اللباس والنقش ) يمثل اشور ناصر بال الثاني , ملك اشور في القرن التاسع ق.م , على جانبي شجرة الحياة , هذا الموضوع الشائع في اسيا الغربية , هو رمز للخصب الذي تمنحه عشتار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق