يبدو ان حس الانسان الجمالي كان قد توصل الى التعبير عن نفسة , في اشكال بدائية معينة , قبل حوالي 30000 سنة , عندما اخذ الانسان الحديث , اي " الانسان العاقل العاقل " يقضي على " الانسان العاقل النياندرتالي " بطردة او باحتوائة . تقتصر الفروقات الهامة بين هذين الفرعين من الكائن البشري , على ان الهيكل العظمي كان اكثر ضخامة عند الانسان النياندرتالي , الذي كان مع ذلك منتصبا , كبير الدماغ على شاكلة الانسان الحديث . الا ان بينات علم الاثار تدل على فوارق اخرى في السلوك , والتكيف مع البيئة . احد هذة الفوارق هو القابلية لخلق اشكال فنية .
" طفولة الفن "
مع بعض الاستثناءات , يقترن الفن العالمي , في اقدم اشكالة , بالاقتصاد القائم على القنص عند
" الانسان العاقل العاقل " ( 1 ) فقد اهتدى الانسان النياندرتالي الى الطقوس , وربما الى الدين , كما عرف ايضا كيف يحتفل بدفن موتاة , لكن لم يكن قد استحدث بعد طريقة للتعبير عن نفسة , بالرسم على مادة ثابتة . مع ذلك , كانت اقدم اشكال الفن التي عثر عليها , في الكهوف في جنوب غرب فرنسا , وشمال شرقي اسبانيا , على بعض التعقيد . وعندما اكتشف فن هذه الحقبة القديمة من العصر الحجري القديم ( 35000-10000 سنة) في عام 1875 , تلقاة العلماء بشئ من الدهشة فقال عالم اثري فرنسي " ان تلك هي طفولة الفن , وليست فن طفل من الاطفال " وبقي الكثيرون ينظرون الية بريبة حتى عام 1900 . وقد اتهم مرشلينودي ساتولا , وهو الرجل الذي اكتشف قاعات التاميرا الكبرى في شمالي اسبانيا , ولم يضطر المشككون الى التراجع عن اتهاماتهم , حتى اكتشفت رسوم اخرى في بير- نون - بير ولاموت , وقد غطتها رواسب حضارية اخرى , ترقى الى العصر الحجري القديم .
اما الرجل الذي برهن , اخر الامر , على وجود فن العصر الحجري القديم , فهو الاب هنري بروي ( 1877-1961) . تكاد الادلة المتعلقة بفن العصر الحجري الاول تقتصر على اوروبا الغربية , مع انة توجد بعض المواقع المنعزلة مثل كابوفا في جبال الاورال بروسيا , ولفنسو في صقلية , وبلد يبي وبلباسي في تركيا , كما توجد اثار كثيرة من فن الصخور التقليدي , في افريقيا الشمالية والصحراوية , في اماكن مثل تاسيلي ( 4 )( 6 ) . وقد استمر ذلك الفن حتى العصر الحجري الجديد ( قبل 5000 سنة ) .
يقسم علماء الاثار فن العصر الحجري القديم الى قسمين رئيسيين : جدراني , ويتألف من رسوم ونقوش ومنحوتات على سقوف الكهوف وجدرانها وارضيتها لا يمكن نزعها , ومتحرك , ويتألف من اشياء صغيرة منقولة . ولكل من هذين النوعين في نظر عالم الاثار , ميزاتة ونواقصة . ففن الكهوف مع انة كثيرا ما لا يحمل تاريخا معينا , يوجد في موضعة وبيئتة الطبيعيين , اما الفن المتحرك , فكثيرا ما يوجد في طبقات اثرية واضحة التواريخ , ولكن دون ادلة تلقي ضوء على اوجه استعماله . يتألف الفن المتحرك من رسوم مفردة ومنعزلة , بينما يتأتف فن الكهوف من عدة رسوم متلاسقة واحيانا ذات صلة بعضها ببعض .
انتشار فن الكهوف
يقتصر فن الكهوف على منظقة صغيرة في فرنسا واسبانيا , وادي الدوردوني وجبال البيرينيه العليا والجبال الكنتابرية . تم التعرف على اكثر من مائة كهف تشتمل على مواقع شهيرة مثل " لاسكو " (1) ," التاميرا " , " الاخوة الثلاث " , مونتسبان " " وفون دي غوم ", لكن لا يمكن تحديد التاريخ الا بالنسبة الى عدد قليل منها . والفن الموجود في روفنياك ما زال موضع شك منذ زمن طويل .
على اساس الادلة الحالية , يبدو ان اقدم موقع هو موقع لافيراسي , حيث عثر على صخور مرسومة , تنتمي الى مراحل الحضارة الاورنياشية العائدة الى ما قبل حوالي 29000 سنة . وقد عثر على نقوش ورسوم ومنحوتات بارزة اخرى , تنتمي الى مراحل الاورنياشية اقدم , وهكذا تبين ان اساليب الفن الجدراني الرئيسية الثلاث وجدت منذ اقدم العصور . هناك حضارة اخرى ظهرت ايضا , في منطقة فن الكهوف ذاتها , هي الحضارة الصولوترية القصيرة الامد , التي تميزت بأعمالها الصوانية الرائعة . ففيها نماذج فنية في " صخرة سير " المعروفة . كذلك ترك لنا طور اخير من العصر الحجري القديم , هو العصر المجدلاني , الذي قام على صيد الوعول في اوروبا الغربية , رسوما متعددة الالوان مدهشة في التاميرا . وقد اعتقد البعض ان معظم مواقع فن الكهوف ترقى الى هذه الحقبة المتأخرة .
اما نماذج الفن المتحرك فقد اخذت تظهر ابتداء من الطور الاورنياشي . اشهر نوع من منحوتات هذا الطور هو التماثيل الصغيرة " للزهرة " ( فينوس ) , وهي عبارة عن تماثيل اناث , برزت اردافها وبطونها , وتحولت رؤوسها وافخاذها الى اجذال , ومن اطرفها " فينوس " فيلندروف (3) .
فن ام سحر ؟
طرحت تفسيرات شتى لفن الكهوف , ابسطها انها فن من اجل الفن . وكانت نظرية بروي , التي تبناها الناس لسنين عديدة , ان هذا الفن متصل بفكرة رسم الطريدة لاحراز سيطرة سحرية عليها , وبفكرة الترابط الطوطمي بين النوعين الانساني والحيواني . اعطيت مؤخرا تفسيرات قائمة على الجنس , الا انها لم تحظ بقبول عام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق