الاثنين، 26 أكتوبر 2015

العرب الاقدمون (2)

  اقدم نص اثري ورد فيه اسم العرب هو حتى الان اللوح المسماري الذي تركه الملك الاشوري شلمانصر الثالث ( 858 - 824 ق.م ) , وذكر فيه انتصاره سنة 854 ق.م على تحالف ملوك ارام ضده بزعامة بن حدد ملك دمشق , وذكر ان من غنائمه في المعركة الف جمل من جنديبو من بلاد العرب .

 لكن الوجود العربي هناك اقدم من ذلك بكثير . نرى ملامحه خلال الالف الثاني قبل الميلاد في قصة ابراهيم واسماعيل وبناء البيت مثلا وفي قصة موسى وزواجه في مدين . في الالف الاول قبل الميلاد نجد في شمال غرب الجزيرة بين الحجاز والشام (1) المجموعات البشرية الاتية :
1- المملكة العربية الاولى ( ادوماتو ) :
النص الاشوري السابق يشير الى جماعة عربية اسمها ادوماتو , كانت في (الجوف) في القرن التاسع ق.م . هذه البقاع جبلية جرداء (2) ومقفرة لولا بعض الواحات القابلة للسكنى . الوجود العربي فيها اقدم دون شك من هذه الاشارة . بقى ذكر هؤلاء العرب يتردد بعد ذلك في النصوص الاشورية التي يمتد تاريخها ما بين سنة 854 حتى سنة 626 ق.م ( نقوش اشور بانيبال ) . يرد بجانب اسم "العرب" ايضا  اسماء جماعات عربية اخرى , الساباي ( سبأ ) , وتيماي ( تيماء ) , وثمود وعبابيد , ومارسمعانو والانباط , وقيدار … تكشف النصوص ان من تسميهم بالعرب كانوا اسياد منطقة الجوف ( دومة الجندل ) ويقيمون مملكة لها نظامها وملوكها وجيوشها وقصورها , وتعقد معاهدات السلم والتحالف مع جيرانها , ولها ثروتها الضخمة من الابل , كما كانت عاصمتها ادومو ( دومة الجندل ) محطة قوافل ملاى بالبضائع التجارية الهامة . كان هؤلاء العرب متصلين بأحداث السيلسة حولهم , وقد تحالفوا مع القوى الاخرى ضد القوة الاشورية التي كانت تسيطر على عقدة الطرق التجارية شمال الشام , وتفرض الضرائب والنهب على الشعوب الاخرى . كان اشتراك جندب في حلف دمشق وموقعة قرقر ( قرب حماه ) ضد شلمانصر الثالث سنة 854 ق.م احد التحالفات للدفاع عن طريق التجارة نحو الاناضول , وقد تاته تحالفات اخرى عديدة من مثله , كان اخطرها اشتراك هؤلاء العرب في ثورة بابل حوالي سنة 775 ق.م ضد اشور بانيبال .
 كان للمرأة مكانها في هذه الجماعات العربية . فقد وردت اسماء عدة ملكات لديها , منهن شمس وزبيبة وسمورامات ( سميراميس ) وباتعة . وكن يحكمن مع وجود اخوة ذكور لهن , وكن يحضرن الحروب , وكانت منهن كاهنات .
 كان قوام تجارة هؤلاء العرب الذهب والفضة والقصدير والحديد وجلود الفيلة والعاج وانواع التوابل والملابس الصوفية الملونة والكتانية والصوف الازرق والارجواني , عدا الخيول والبغال والنعاج والابل .  
2- الثموديون :
 هم الشعب الذي ورد  ذكر اندثاره في القران الكريم . المسح الاثري في موقع تبوك والعلا (4) ومدائن صالح وتيماء ووادي السرحان وحائل وجية وجبل رقم قرب العقبة والمناطق المجاورة لها كشف عن الاف الكتابات والمخربشات الثمودية التي اختلف المؤرخون في تقدير اعمارها . يعيدها بعضهم الى الالف الثالث ق.م . لكن الثابت ان هذا الشعب العربي كان موجودا يحارب سرجون الثاني ملك الاشوريين في القرن الثامن ق.م . كما كان لدى الروم البيزنطيين فرقة حربية منه في في اواسط القرن الخامس الميلادي . في ما بين هذين التاريخين كان الثموديون شعب تجارة يسيطرون على طرقها في منطقة انتقالها من الخليج او من اليمن الى الشام , من خلال عدد من البلدان والمحطات .
 كانت لغة الثموديين عربية , شبيهة بلغتنا العربية , واشتق الثموديون لانفسهم ابجدية ثمودية خاصة كتبوا بها . بقيت لنا من كتاباتهم الاف الكتابات  (5)  والرسوم على الصخور والابنية في مناطقهم .
 اندثر الشعب الثمودي كله وتمزق بددا منذ القرن الرابع الميلادي حتى القرن السادس , ودخل في المجتمعات البدوية والحضرية التي خلفته في مناطقه .
3- اللحيانيون
 هم شعب عربي اخر قديم لعله من فروع ثمود . عمل بالتجارة مثلها , كانت قاعدته مدينة ديدان ( عند مدائن صالح ) (3) التي كانت في الاصل مستعمرة معينية على الخط التجاري الاعظم بين اليمن والشام . لكن اخبار اللحيانيين تذكر ايضا مع المدن الثمودية مثل تبوك والعلا ومدين ودومة الجندل . بعد سقوط البتراء في القرن الثاني الميلادي استولى اللحيانيون على المدينة وورثوا مركزها التجاري . تكشف الاثار اللحيانية والبقايا الفخارية والقبور المزخرفة بالنقوش في بلدة العلا ومنطقتها عن مدنية جاهلية راقية , وان تكن حتى الان مجهولة . كان للشعب اللحياني كتابته الخاصة ( بين المسند والارامية ) وكانت له صلاته التجارية القوية مع جنوبي العراق , تبرهن على ذلك الاختام اللحيانية المنقوشة بالرسوم البابلية .
 تميزت بين المدن الثمودية - اللحيانية مدينة تيماء الجبلية التي بلغ من شأنها التجاري ان اتخذها نابونيد ( 555 - 538) ق.م اخر ملوك بابل مقرا اقليميا له بعد ان فتحها , وبنى لنفسه فيها قصرا كقصوره في بابل . ويبدو ان هذا الملك التقي المحب للاثار وجد في تيماء ملجأ له من حملات قورش الامبراطور الفارسي , فبقي فيها 10 سنوات , وكان مستقرا هناك حين سقط عرشه . من اثار تيماء قصر زلوم وهو الابلق المشهور في الادب بقصر السموأل .



 (1) كان اتجاه شمال الجزيرة على العموم نحو العراق وبلاد الشام . وان لم ينفصل عن جنوبها , وكانت الدول والشعوب التي قامت هناك تعتمد على التجارة اصلا , وعلى الزراعة المحدودة , ومع ذلك قامت لديها حرف خاصة في الواحات التي اشبهت قراها المدن مثل تيماء ويثرب وبترا , كان شمال الجزيرة يعتمد ثلاثة موانئ تقع على البحر الاحمر وهي العقبة ( ايلة ) والحوراء ( لوكي فومي ) وينبع يضاف اليها مبناء مكنا ( البدع ) لكن تجار شبه الجزيرة الشماليين كانوا يفيدون من موانئ الخليج , وبشكل خاص الجرهاء ( العقير حاليا ؟ ) تتضح على هذه الخريطة الاماكن الرئيسية في شمال الجزيرة , مع اشارة الى الطرق التجارية التي كانت تصل بين العلا والمدن التجارية في العراق وبلاد الشام .
 (2) بلاد الحجاز التي تحجز تهامة عن نجد , منطقة جبلية جرداء فالجبال الصخرية المرتفعة لا نبات يكسوها , والسفوح الواطئة فيها نباتات شوكية , ومع ذلك ففي الحجاز واحات عديدة صارت محطات هامة للتجارة منها مكة والمدينة ومنها العلا ومداين صالح وتبوك وكان الحجاز طريق التجارة البري الرئيسي بين اليمن وبلاد الشام . الصحاري المطلقة في الجزيرة هي الربع الخالي وصحراء النفوذ .
(3) جاءت مدائن صالح في القران بأسم الحجر , بوصفها حاضرة ثمود . بقاياها الاثرية ترجح وجودها قبل الالف الاول ق.م , كان حولها عدد من المستوطنات كالقرية التي اشتهرت بالفخار , في المنطقة كهوف ومقابر منحوته في الجبال الرملية , على واجهاتها نقوش وصور ورؤوس خرافية يعود بعضها الى الالف الثاني ق.م , كانت مدائن صالح متصلة ايضا بالبحر عن طريق ميناء باسمها ( الوجه حاليا )
(4) كانت العلا احد المراكز الهامة للتجارة في شمال الجزيرة وبخاصة في ايام الانباط , وقد كان فيها فيما بعد مركز مكوس بيزنطي للتجارة القادمة من الجنوب . كان لوجود الماء في واحة العلا اثر كبير في اختيارها نقطة اتصال تجاري . تعرف العلا حاليا باسم الخريبة ونرى في الجبال المطيفة بها اثار ومقابر عديدة , بعضها من العهد المعيني وبعض من عهد الانباط عدا المخربشات الكتابية .
(5) رغم كثرة النقوش والكتابات الثمودية كثرة هائلة تبلغ عدة الوف . ورغم انتشارها في مناطق واسعة جدا تمتد من اليمن الى عمان الى العرلق والشام ومصر . فان العلماء يسمونها مخربشات لقيمتها المحدودة , ولانها عبث كتابي اكثر مما هي كتابة منظمة , فهي لا تحوي امثر من بعض الاسماء والادعية للمعبودات . كما ان الكتاب الذين نقشوها كانوا تجارا عابرين هنا وهناك وسجلوا هم او عبيدهم الاسماء والرسوم التي خطرت ببالهم في اي مكان اتفق ان وقفوا عنده , مع ذلك فبعض الكتابات تفيد في معرفة معبودات ثمود وطرقها التجارية ولغتها واعمالها .
(6) كانت الاختام تستعمل بين التجار لجعل ما يتراسلون به رسميا . بعضها كان على شكل اسطوانة منقوشة تدرج درجا على الطين , وبعضها على شكل دائرة او مربع , الاختام الديدانية تشبه كل الشبه اختام ما بين النهرين ولعلها تقليد لها او مجلوبة منها , لولا ان بعضها يحمل احرفا ديدانية . 
في شمال الجزيرة استعمل اكثر من خط واحد . ومع ان الخط النبطي كان شائعا , فهناك الخط اللحياني الذي نجد نموذجا منه على هذه المسلة التي وجدت في العلا , وهي من القرن الثالث ق.م . يذكر اسماء اسرة كانت تعبد الاله " ذو غبت " طول هذه المسلة حوالي متر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق