مع حلول عام 1200 ق.م , كان العصر البرونزي قد بلغ اوجه لدى شعوب الاورنفيلد , اسلاف الكلتيين الذين سيصبحون بدورهم بين 800 و 700 ق.م العنصر السائد والاكثر تقدما في المجتمع الاوروبي لبضع مئات من السنين . كانت شعوب الاورنفيلد تعيش في شمالي جبال الالب , وهي تنتمي الى مرحلة ما قبل التاريخ من تطور اوروبا . خلع عليهم علماء الاثار اسمهم لانهم ادخلوا طقسا جديدا من طقوس الدفن في اوروبا . فقد استبدلوا بالدفن في التلال احراق الميت , وكانت الرفات توضع بعد الحرق في جرة , وتدفن في مقابر كبيرة مسطحة عرفت بالاورنفيلد ( حقل الجرار ) .
ثورة تقنية تحدر الاوربيون باستثناء بضعة شعوب منهم , كالباسك والفنلنديين والايبريين , من اصل هندواوروبي . لذا جمعت بينهم تقاليد لغوية ثقافية مشتركة . من الممكن ان شعوب الاورنفيلد , التي كانت تعيش في قرى او مجمعات سكانية ضخمة , كانت تنطق باحد اشكال اللهجة الكلتية , كما يستدل من التطابق بين توزيع انصابهم وبين اقدم اسماء الامكنة الكلتية المعروفة , تعتبر شعوب الاورنفيلد هذه , في العادة , شعوبا كلتية بدائية , ويبدو ان ليس بينهم وبين اخلافهم المباشرين , كلتيي حضارة هالشتات , كبير اختلاف . شهدت الحقبة الاورنفيلدية , لا تحسنا في الزراعة في اوروبا وحسب , بل تطورات كبرى ايضا في صناعة المعادن . كانت تلك الفترة حقبة توسع وحروب . وتدل المكتشفات الاثرية على ان شعوب اوروبا الوسطى كانت تستخدم في ذلك الحين اسلحة برونزية متطورة . لكن في اواخر هذه الحقبة , اي حوالي 800 ق.م شهدت اوروبا ثورة تقنية كبرى , على يد الكلتيين . فقد ادخلوا استعمال الحديد الى اوروبا في شمالي الالب , ومعه كل التفوق في الاسلحة والادوات الحادة الناجم عن استعمال الحديد . ويلاحظ ان المواقع الاولى لهذا التطور هي ذاتها مواقع المستطونات الاورنفيلدية , في اقاليم نهري الدانوب والراين . بغض النظر عن الدلائل على بعض الاتصال بشعوب السهوب , فكل شئ يدل على استمرارية تاريخ السكان الاصليين , الا انهم ازدادوا ثراء وقوة بفضل اكتشاف الحديد . تعرف هذه المرحلة الاولى من حضارة الكلتيين بحضارة هالشتات , وذلك نسبة الى قرية في منطقة سالتزكامرجوت في النمسا . يمدنا موقع هالشتات بأدلة مدهشة وشاملة عن العصر الحديدي الاول في اوروبا . فقد كان المجتمع هناك يستمد الكثير من ثروته من مناجم الملح الضخمة , كما امتشفت في مرحلة مبكرة قدرات الملح في حفظ الطعام وشفاء المرض , فضلا عن كونه سلعة تجارية نفيسة . من المحتمل ان الملح كان المادة الرئيسية التي كان يصدرها كلتيو هالشتات الى العالم اليوناني الاوترسكي . وتشير الادلة في عدة مناسبات الى اهمية ذلك التبادل التجاري الذي كان يجري بين المنطقتين بواسطة مستعمرات يونانية في الجزء الشمالي من البحر المتوسط . كانت مساليا ( مرسيليا ) التي تأسست حوالي 600 ق.م . من هذه المستعمرات الرئيسية . عمال وارستقراطيون من الطبيعي ان لا نعرف الا القليل عن الادوات واللباس والاطعمة واداب الطعام عند العمال , في تلك المجتمعات التي لم تكن تهتم الا بطبقتها الاستقراطية , التي يشهد على غناها ثراء مدافنها . لقد حفظت في هالشتات البسة وخوذ من الجلد , وبقيت طاسات اهلها الخشبية واواني طعامهم الاخرى سليمة , كما تعطينا فكرة عن طعامهم المألوف بقايا البذةر ونوى الثمار . لكن معلوماتنا عن الارستقاطيين اتتنا من مقبرة ضخمة تشير الى تغيرات كبرى في تقاليد الدفن والادوات الشخصية , حدثت مع تطورات الحضارة الجديدة المبنية على الحديد , وهو معدن اكثر توفرا وارخص كلفة للاغراض العملية من البرونز , فالان , لم يعد الزعماء الموتى يحرقون ويوضعون في جرار وضيعة بل صار دفنهم يحاط بابهة فائقة . احتفال الدفن كانت اغنى القبور تتألف من حجرة خشبية , مصنوعة عادة من خشب السنديان يعلوها تمثال حجري تذكاري او شجرة مقدسة او نصب من حجر . وكان الميت يوضع تحت رمز مكانته الاجتماعية وعو العربة ذات الدواليب الاربعة . ومع ان زينات الاحصنة لا تزال موجودة , فليس لدينا اي دليل على دفن الاحصنة نفسها , فربما كانت تنحر ضحايا للمعبودات وتؤكل لحومها في طقوس معينة او تحرق . كانت جميع ادوات المحارب العسكرية الانيقة الصنع توضع في القبر معه , مثل سيفه ورمحه وخوذته وزينات العنق والساعد , وغيرها من الاشياء التي كان يحبها . وكانت توضع بقربه انية , لا شك انها كانت ملاى بالمشروب من اجل احتفال "العالم الاخر" , فضلا عن شرائح اللحم الضرورية لطعامه اثناء الرحلة . وحسب القصص الايرلندية القديمة , ما ان تكتمل طقوس الدفن حتى كانت تعقب الاحتفال ولائم والعاب جنائزية . دامت الحقبة الهالشتاتية حتى حوالي العام 500 ق.م , وارست قواعد ازدهار تام للحضارة الكلتية في اوروبا انذاك . حصل بعض التزاوج بين الشعوب التوتونية الى الشمال ( وكلا لفظي توتوني والماني هما من اصل كلتي ) وكان الكلتيون على الارجح هم السادة الذين يؤلفون الطبقة الارستقراطية من هذه الشعوب الوثيقة الصلة بعضها ببعض . |
(1) تتجلى المهارة الهالشتاتية في صناعة الخزف والاناقة التزينية في هذا الاناء من الفخار الذي وجد في بورينهوف بالمانيا . والذي يعود الى حوالي 620 ق.م .
(3) في التقاليد الارلندية , يمثل هذا الحجر , برسومه اللولبية , المدخل الى " العالم الاخر " , وهو يعود الى حوالي عام 2500 ق.م , ويمهد للرسوم الكلتية التي جاءت بعد ذلك بحوالي 2000 سنة . (4) صنع صاغة ارلنديون هذه القلادة المذهبة من القصدير حوالي عام 800 ق.م . (6) يبدو التناسق الكلتي المتأخر في هذا الخاتم الارلندي المذهب الذي يعود الى حوالي 1000 ق.م . (7) كان الكلتيون صناع تعدين مهرة , فقد ادخلوا الحديد الى اوروبا الشمالية حوالي 800 ق.م ولكنهم استمروا في استعمال البرنز بمهارة فائقة . هذه الصورة التفصيلية لمقبض طاسة من البرونز يعود الى القرن السادس تعطي فكرة عن الصناعة المتطورة في حضارة هالشتات . (8) هذا الرباط الذهبي للملابس هو من بلدة كاونتي ( غالواي ) في ارلندا , ويعود الى حوالي 700 ق.م ويبلغ طوله 28 سم . تشهد هذه المصنوعات لا على ان الكلتيين كانوا يعتزون بالزينة الشخصية وحسب , بل على مهارتهم في استعمال المعادن مادة لفنهم . (9) هذا السوار الذهبي للذراع وجد في دوفر ويعود الى حوالي 1000 ق.م وهو يمهد للفن الكلتي . (10) تطورت حضارة الاورنفيلد حول نهري الدانوب والراين , ومع حلول عام 825 ق.م كانت قد وصلت الى اسبانيا . ظهرت حضارة هالشتات في المكان نفسه , وحلت محل حضارة الاورنفيلد وفي عام 560 ق.م كانت قد انتشرت في معظم انحاء اسبانيا والبرتغال . في ذلك التاريخ كان تصنيع الحديد , الذي جاء من الشرق , قد انتشر في جميع انحاء اوروبا . تستمد حضارة الهالشتات اسمها من موقع اثري رئيسي في النمسا . |
الخميس، 21 يناير 2016
اوروبا " بين 1200 _ 500 ق.م "
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق