الشكلية الكلاسيكية مع ذلك , تميز فن العصر الكلاسيكي الاعلى ( 450 ؟ - 400ق.م ) , ليس بالحذلقة الفنية فحسب , بل بضبط العواطف ايضا وتجنب التطرف . فقد كان هذا الفن شكليا , خاليا من رسوم الشباب والشيخوخة ومن اثار مشاعر الغضب او المتعة . ذلك ان حرص النحات اليوناني على تحقيق مثال الشكل الكامل ادى الى نمط فني صاف ومنضبط , ولكنه بارد وغير شخصي الطابع . شهد العصر الكلاسيكي الاعلى بروز اثينا , كمركز فني عظيم , وخاصة في عهد حاكمها بيريكليس (490؟ - 429 ق.م ) فبعد الدمار الذي سببتو الحروب الفارسية , وضع خطة لاعادة البناء اتصفت ببعد نظر لا يضارع , فانتجت عددا من اروع الابنية في العالم , منها بصورة خاصة , البارثنون (2) والاريكتيوم اللذان شيدا فوق الاكروبوليس في اثينا . تتصف منحوتات البارثنون بواقعية وعظمة في التصور لا نظير لهما في تاريخ الفن (4) . الى هذه الحقبة ايضا تعود المنحوتات البنائية الفخمة والتفاصيل النحتية النافرة والتماثيل النذرية والتماثيل الطقوسية وخاصة تمثال زفس ( زيوس ) الضخم من اعمال فيدياس , في هيكل اولمبيا الذي اعتبر احدى عجائب العالم القديم السبع . مع ان تمثال الرجل البطل بقي بصورة عامة النموذج المفضل , فقد تحول النحاتون بشكل متزايد الى صنع تماثيل للاناث , واصبح التركيز خاصة على الالبسة , ويبدو ذلك مثلا في تماثيل نايكي , معبود النصر (6) . هذا التحول من تصوير المثال الاعلى , الفتى العاري , الى التصوير المؤسلب للانثى الملتفة بثوبها هو عنصر هام في عملية الخروج على الشكلية , كان من شأنه تغيير مجرى الفن اليوناني . من الفنون الاخرى التي ازدهرت اثناء الحقبة الكلاسيكية العليا , الرسم على الجدران الذي اخذ يتقدم حتى على الرسم على الانية . فن رسم الاشخاص في العصر الكلاسيكي المتأخر ( 400 ؟ - 323 ق.م ) , ادى الرخاء المتزايد والحرص الاشد على رعاية الفنون , الى تحول عن المقاييس التقليدية اللاعاطفية التي ميزت العصر الكلاسيكي السابق . لقد ظهر فن رسم الاشخاص الحقيقي في اول الامر بفضل تشجيع حكام الامبراطورية الفارسية الغربية المولعين بالجاه والنفوذ . وجاء منافسا لرسم المعبودات الخيالي . كذلك نشأ فن نحت القبور الضخمة تخليدا للذكرى , وليس من قبيل المصادفة ان تشهد هذه الحقبة بناء القبر المنحوت الرائع لملك كاريا موسولوس في هليكارناسوس الذي اشتقت منه كلمة موزوليوم ( التي تعني الضريح او المزار ) . كان هذا الاثر , على غرار ضريح الاسكندر (3) , من انتاج فنانين يونانيين كانوا يعملون على تخوم الامبراطورية , ويدل فنهم وفن اقرانهم في البر اليوناني , مثل براكسيتيليس وسكوباس وليسيبوس خاصة على التحول من المثالية الكلاسيكية الى الواقعية الهلينستية . انتج ليسيبوس مثلا , وهو نحات الاسكندر الكبير الرسمي , اثارا كان منظرها ممتعا من اي زاوية نظرنا اليها , خلافا لبعض الاعمال الشكلية من الحقب الكلاسيكية المبكرة . كذلك انتج هذا الفنان رسوما لنصيره الاسكندر مليئة بالحياة . في الوقت نفسه , ازدهر فن الرسم وصناعة المجوهرات نتيجة للثروة الجديدة للامبراطورية اليونانية . الواقعية في الحقبة الهلينستية كان العصر الهلينستي ( من وفاة الاسكندر 323 ق.م حتى معركة اكسيوم 31 ق.م ) اخر طور في الفن اليوناني . في هذه الفترة , ازدهرت طوائف شتى من الفنون بتأثير تطور حياة البلاط , واصبحت مدنية بزعامة مركزا مرموقا للعمارة والنحت , فيما نشأت مدارس محلية متنوعة , في الامبراطورية السلوقية , وفي الاسكندرية , ورودس . لكن اثينا وحدها , احتفظت بعدد من تقاليد الفن الكلاسيكي , وبقيت المركز الرئيسي لهذا الفن , في البر اليوناني . ادت تطلعات حكام امبراطورية الاسكندر الى اهتمام اكبر بفن رسم الاشخاص , الذي كان الفنانون غالبا ما يحاولون فيه اعطاء الشخص هيبة شبه الهية . فكانت هي المرة الاولى التي تطغى فيها رسوم البشر على المعبودات مما ادى الى اضعاف النفحة الدينية والميثولوجية الاصلية للفن اليوناني , لتحل محلها تصاوير دقيقة , وان تكن مضخمة احيانا , لبعض الشخصيات المرموقة . ظهرت قوة الحركة في العواطف في بعض المنحوتات , كالنقوش النافرة في مذبح زفس ببرغامة وفي تمثال نايكي في ساموثراس (6) ومجموعة لاوكوون (7) , كما برزت الانوثة في بعض الاثار , مثل فينوس ميلو . كذلك صورت للمرة الاولى مشاعر الالم الجسدي والخوف والشيخوخة والصبا . لكن في اواخر العصر الهلينستي السالفة , اسهم مع عملية اقتباس الرومان على نطاق واسع للعناصر الرئيسية في الفن اليوناني في تأمين استمرار هذا الفن عبر العصور اللاحقة . | (1) " الطرز" اليونانية الرئيسية لتاج العمود ثلاثة هي : الدوري وهو الاقدم , وله طبيلة ( اباخوس ) ضخمة هي بلاطة مسطحة واخينوس رحب ( هو التزويق تحت الطبيلة ) : الطراز الايوني , وطبياته انحف وله لفائف لولبية بارزة تغطيها نقوش وفيرة : والكورنثي , وهو اعمق واكثر تعقيدا , وكان قبل اقتباس الرومان له , اقل شيوعا من الطرازين السابقين . (2) يهيمن البارثنون على الاكروبوليس , وهو من اروع الابنية وابلغها اهمية في العالم . شيده الحاكم الاثيني بيريكليس ليحل محل الهيكل الذي دمره الفرس عام 480 ق.م . تحت اشراف فيدياس , يعاونه المعماريان اكتينوس وكاليكراتس , اتخذ البناء شكله النهائي في فترة ما بعد 447 ق.م , واكتمل علم 438 ق.م , باستثناء المنحوتات التي استغرقت 6 سنوات اخرى . جاء تصميمه يعبر عن سيادة اثينا واعتزازها بمدنيتها , وكان اضخم ابنية اليونان واكثرها كلفة , كما كان مركزا لائقا لعرض تمثال اثينا الذي صنعه فيدياس من الذهب والعاج . اشتمل البارثنون على عدد من الابتكارات المعمارية الجريئة وعلى اكثر المفاهيم الفنية شيوعا في ذلك العصر . كان كله من الطراز الدوري وله 8 اعمدة في واجهته , بدلا من ال 6 المألوفة , فضلا عن 17 عمودا داخل الرواق . يخفف انتفاخ الاعمدة من ظاهرة التقعر الذي يتوهمه البصر . اما الافريز والواجهه , فقد كان انجازهما الطف واروع وامهر من اي من سابقاتهما وهما يبرزان كعملين من اعظم اعمال النحت في العالم ’ سواء في اجزائهما النافرة او المستديرة . (3) امر اخر ملوك صيدا بصنع " ناووس الاسكندر " , وكان هذا الملك يدين بمنصبه للاسكندر الكبير . كان هذا الاثر قبرا ونصبا في الوقت نفسه لتمجيد ماثر الاسكندر . وهو يصور مشاهد من حياته , بما في ذلك معركته ضد الفرس , طافحا بالحياة . تأثر النحات الى حد كبير بفن ليسبوس اشهر نحاتي القرن الرابع جميعا , لا سيما في قولبة الاشكال . لكن العمل يعبر ايضا عن النشاط والحيوية اللذين يلهمان الفن الهيلينستي . (4) يرمز موضوع افريز البارثنون - وهو الصراع بين الابيثينيين ( شعب من سكان تساليا ) والقنطورس , اثناء زفاف الملك اللابيثي بريثاوس - الى انتصار النظام والمدنية على البربرية . كان ذلك موضوعا يتكرر باستمرار في الفن الكلاسيكي الاعلى (5) يشكل تمثال " بوزيدون " في ارتميزيوم , وهو يمثل احد اقدس المعبودات لدى راكبي البحار من الاثينيين , حلقة فنية وسطى بين اسلبة فن نحت الاشخاص الخاص بالعصور الاولى للفن اليوناني , وبين طبيعة الفن الكلاسيكي . هذا التمثال هو من اروع النماذج المصنوعة من البرونز التي وصلتنا , بجسده المفتول العضلات ورأسه البديع . (6) يمثل تمثال نايكي في ساموثراس معبود النصر المجنح وهو مثال للفن البديع لمدرسة رودس في النحت , خلال العصر الهلينستي . صنع على الارجح لتخليد انتصار بحري على انطيوخوس الثالث السوري . كانت نايكي تمثل اصلا معبود النصر هابطا على مقدمة سفينة . يعبر التفاف ثنايا الثوب عن حركة الشكل القوية والرشيقة معا . (7)صنع هذا التمثال الشهير الذي يصور صراع الموت الذي خاضه الامير الطروادي لاوكوون وابناه في رودس - فنانون يونانيون تخصصوا في الاعمال التي تعبر عن العنف والالم . وهما عاطفتان اصبحتا من خصائص الفن الهيلينستي . وكان هذا التمثال , على غرار عدد من الاثار اليونانية في تلك الحقبة , موضع اعجاب عظيم لدى الرومان , ونقل الى روما بأمر من الامبراطور طيطس عام 69 م , وقد قال عنه بلين الاكبر انه " يمتاز على كل الاثار السابقة في ميدان التصوير والنحت " . في عام 1508 اكتشف هذا التمثال مرة ثانية في حمامات طيطس . فاشتراه البابا جوليوس الثاني للفاتيكان , حيث اكب على دراسته فنانون , امثال مايكل انجلو وبرنيني وروبنز . |
الجمعة، 15 أبريل 2016
الفن اليوناني (2)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق