الجمعة، 22 أبريل 2016

العلم اليوناني

  ظهرت بواكير العلم اليوناني في القرن الثامن ق.م , وذلك في القصائد الهوميرية التي تصف الكواكب وتورد فكرة غريبة عن الكون مؤداها انه كروي (4) . كانت الحضارات الاخرى قد اكتفت بوصف سماوات نصف كروية . الا ان حب اليونان للاشكال المتناظرة حملهم على الاخذ بمفهوم كروي للكون . 
  الدراسات اليونانية للكون  
  ان اوائل العلماء اليونانيين الذين وصلتنا اسماؤهم , وهم طاليس وانكسيمندر وانكسيمينيس , قدموا من الشاطئ الشرقي للبحر الايجي , وعاشوا في القرن السادس ق.م . سلم طاليس بمفهوم الكون الكروي , وذهب الى ان الماء هو المادة الاساسية التي تكون منها كل شئ . اما انكسميندر , فقد ذهب الى ان المادة الاساسية هي جوهر لا يمكن تحديده . وقال ان بأن الارض هي على شكل اسطوانة , وكان يرى , على غرار انكسيمينس , ان الاجرام السماوية هي عبارة عن ثقوب في السماء المظلمة , تخترقها اشعة منطقة نارية محيطة . الا ان اهم عالم في القرن السادس ق . م , هو فيثاغورس , الذي اشتهر خاصة باعطاء البرهان على الغلاقة بين اضلاع المثلث قائم الزاوية . كذلك بحث في الانغام الموسيقية , مما دفعه الى القول بوجود علاقة الهية بين الاعداد والموسيقى والكون . 
  في القرن الرابع ق.م , اسس افلاطون ( 427؟ - 347 ق.م ) اكاديميته في اثينا , التي ركز فيها كثيرا على ماهية الكون الرياضية . ثم انشأ تلميذه ارسطوطاليس ( 384 - 322 ق.م ) وهو اعظم فيلسوف علمي في العصور القديمة , اكاديميته الخاصة المعروفة باليسيوم في اثينا ايضا . اقتبس ارسطوطاليس النظرية التي كان قد صاغها اصلا انبيدقليس في القرن الخامس ق.م والقائلة بأن العناصر الاربعة , التراب والهواء والنار والماء , هي العناصر الاساسية لجميع المواد . في مجال علم الفلك ناقش ارسطو مسألة حركة الارض او سكونها في الفضاء , وكان يميل , بناء على الادلة المتوفرة لديه , الى القول بنظرية الارض الثابتة في مركز الكون . كذلك ناقش طبيعة التغير ولا سيما الحركة . 
  ابحاث العلوم المجردة 
  مع ان اراء ارسطو في العالم الطبيعي هي التي اثرت في العلم طيلة ال 2000 سنة التالية , فقد تفوق بصورة خاصة في علم الاحياء . لقد وصف بدقة المعدة المزدوجة لدى الحيوانات المجترة كالبقرة , وعادات النحل , كما درس كلب البحر المشيمي الذي ينجب صغاره احياء على غرار الثدييات , ووضع دراسة عامة في التوالد الجنسي (6) . درس ايضا النباتات , وان كان صديقه وتلميذه ثيوفراسطس ( 372 ؟ - 286 ق.م ) هو الذي وضع اسس علم النبات . شدد ارسطو على المفهوم العام القائل بوجود نظام متواصل من الموجودات يمتد من المادة غير الحية , صعدا حتى الانسان . 
  استنادا الى مذهب يودوكسوس ( 408 ؟ - 355 ق.م ) القائل بأن الاجرام السماوية تدور في افلاكها حول الارض , طرح عالم الفلك ارسطرخس ( 310 - 230 ق.م) في القرن الثالث الفكرة القائلة بأن الشمس هي مركز الكون وليس الارض , وعالج مسألة حجم الشمس والقمر . لكن نظريته الكونية لم تلق قبولا . بعد ذلك بقرن واحد , اكتشف هيبارخوس ( 210 - 120 ق.م ) , وهو اعظم عالم فلكي اعتمد المشاهد في العصور القديمة , تقدم الاعتدالين , ووضع لائحة بالنجوم وقاس كسوف الشمس وقدم نظرية متطورة لحركة الشمس . وقد اشتهر القرن الثالث ق.م ايضا بعلم الطبيعيات الرياضية لارخميدس ( 287 ؟ - 212 ق.م ) (8) ويتأسيس مكتبة الاسكندرية ومتحفها . في هذه المدينة , وطيلة 500 سنة , استمرت الابحاث المتطورة , فازدهرت الرياضيات بفضل اقليدس ( اشتهر 300 ؟ - ق.م ) وابولونيوس ( اشتهر 250 - 220 ق.م) الذي ذاع صيته لابحاثه في علم الفلك والمقاطع المخروطية . وقد قدر اراتوستينيس ( 276 ؟ - 194 ق.م) محيط الارض بفارق 400 كلم فقط عن محيطها الحقيقي . 
  في القرن الثاني الف عالم الفلك بطليموس ( 90 ؟ - 168 م ) كتابه الشهير  " المجسطي " , وهو ملخص لعلم الفلك اليوناني , بالاضافة الى مؤلفه " الجغرافيا " الذي استعمل خطوط الطول والعرض , وطريقته الخاصة بالرسم التجسيمي (1) . وطور هيروفيلوس واراسيستراتوس في القرن الثالث , في الاسكندرية , العلوم الطبية التي كان ابوقراط الكوسي قد وضعها في القرن الخامس ق.م (2) , كما شرحا الجسم البشري , وميزا بين الشرايين والاوردة وبين الاوتار والاعصاب , ووضعا بصورة عامة اسس علم التشريح . 
  العلوم التطبيقية ودراسة الالات 
  كانت البكرة المركبة فعروفة في ايام ارسطو , وكان ارخميدس (8) و (7) في سرقسطة قد اخترع الاسطوانة اللولبية لرفع الماء . لكن قسما كبيرا من التقنية اليونانية تم تطويره في الاسكندرية حيث صمم ستيسيبيوس في حوالي عام 200 ق.م . ساعات مائية (5) , ومضخة على الضغط . وفي القرن الاول الميلادي , قام هيرو , ليس بدراسة الالات والاجهزة الهوائية وحسب ( مع انه لم يستطع ان يستخلص فوائد عملية لاختراعاته ) , بل ادخل تحسينات ايضا على وسائل علم المساحة . ويدل اكتشاف الة حاسبة يجري تحريكها ميكانيكيا (8) للحسابات الفلكية , على ان التقنية التي ظهرت في الاسكندرية كانت ذات تأثير واسع . 
  
(1) وضعت خريطة العالم هذه التي نشرت عام 1486 على اساس خريطة اخرى رسمها بطليموس في الاسكندرية قبل ذلك بحوالي 1200 سنة . استمدت هذه الخريطة من شهادات المسافرين لا سيما المكتشف اليوناني بيثياس الذي عاش في القرن الرابع ق.م .
(2) للطب اليوناني تاريخ طويل مرموق . فقد كان الطب النفسي يمارس في هياكل الاستشفاء . مثلما كانت المعالجة مألوفة بالاعشاب والجراحة . يظهر في هذه المجموعة المتنوعة من الادوات الجراحية اليونانية , ملاقط ومباضع ذات اشكال مختلفة , اضافة الى ادوات اخرى . 
(3) يحيط بقمة برج الرياح في اثينا عدد من المزولات ( الساعة الشمسية ) , وكان يحمل قديما ساعة مائية ضخمة , مبنية وفقا لتصميم من وضع ستيسيبيوس , كان لها جهاز مثعبي معقد يؤمن ضغطا مائيا متواصلا , بحيث كان الساعة دقيقة لدرجة كافية . 
(4) صورة من العصر الفيكتوري في بريطانيا تمثل عالم هوميروس . تبدو فيها الارض على شكل قرص , في وسطه اليونان عائمة على سطح الماء يحيط بها فلك الكون , الشمس تبزغ من الشرق ويبدو القمر عاليا في كبد السماء . كان معظم الفلاسفة اليونان يعتقدون ان الشمس والقمر وسائر الكواكب السيارة تدور حول الارض , لكن فكرتهم المبتكرة هي ان السماء تؤلف فلكا محيطا وهو شكل اكثر كمالا من القبة او نصف الكرة . لم يكن ثمة ادلة تدعم هذه هذه النظرة الى الكون . وانما اقتبست لاسباب جمالية بحتة . بقى الاعتقاد بان الارض تقع في وسط الكون , سائدا حتى ظهور ابحاث كوبرنيكوس في القرن السادس عشر . 


(5) الة حاسبة فلكية يونانية اكتشفت عام 1900 في حطام سفينة تعود الى حوالي 65 ق.م بالقرب من جزيرة انتيكيتيرا , وتظهر هنا بعد اعادة تركيبها . كانت تحتوي على جهاز معقد من الالات الداخلية .
(6) كانت ملاحظات ارسطو في علم الاحياء تشتمل على مذكرات خاصة بالنحل والسمك . فقد اكتشف هذا العالم ان ذكر سمكة السلور يتعهد حراسة بيض الانثى حتى تنقف صغارها . ولما كانت انواع سمك السلور الاخرى تسلك سلوكا مختلفا . فقد شك العلماء بهذا القول حتى عام 1850 عندما اثبت لويس اجاسيز ان ارسطو كان على حق , فقد وجد ان ذكر السلور في امريكا الشمالية يسلك السلوك نفسه .


(7) قد يكون لولب ارخميدس الاسطواني لرفع المياه قد اخترع قبل ارخميدس , ولكنه نسب الى مهارته الميكانيكية . كان اللةلب الذي يحرك بواسطة مقبض او دعاسة للرجل يدور داخل اسطوانة , فيسحب الماء الى اعلى . 
(8) ارخميدس في مغطسه ( من نقش يعود الى القرن 16 ) يذكرنا باكتشافه ان الجسم في الماء يزيح كمية مساوية لحجمه . ويعني ذلك , انه اي كان الشكل , فالاشياء المتساوية في الثقل النوعي والوزن تزيح الكمية ذاتها من السائل . استخدم ارخميدس المبدأ الجديد هذا ليتحقق مما اذا كان التاج الذي صنع لملك سرقسطة هو من الذهب الخالص , فقد ازاح التاج كمية من الماء امبر من وزن مساو من الذهب الخالص , فثبت من ذلك ان التاج كان يحتوي على معدن اخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق