البطالمة كانت مصر هي حصة القائد بطليموس , احد حرس الاسكندر الخاص السبعة . كان من الذكاء العملي بحيث اكتفى في التسوية التي اعقبت الوفاة بأن يظفر لنفسه بولاية مصر وبأن ينقل معه رفات الاسكندر اليها . استمر بعد ذلك يحكم مصر 41 سنة ( 323- 283 ق.م) . منحه تهل رودس لقب سوتير ( المنقذ ) , ثم تسمى ملكا منذ سنة 305 ق.م حين اتخذ زملاؤه القواد الاخرين هذا اللقب (3) . وهكذا ظهرت معا ممالك مقدونيا والسلوقيين والبطالمة التي اقتسمت العالم الهلينستي والتي استمرت حتى اندمجت في الامبراطورية الرومانية في القرن الاول ق.م . تولى على العرش البطلمي مجموعة من الملوك تسمى كل منهم باسم بطليموس من الاول حتى الخامس عشر (5) . غير انهم كانوا احيانا يحكمون بالاشتراك مع زوجاتهم او اخواتهم او ابنائهم . من هؤلاء المشتركين سبع من الملكات يحملن اسم كليوباترا (4) , وكانت الاخيرة منهن السابعة هي المشهورة التي عاصرت الفتح الروماني لمصر . امتدت امبراطورية البطالمة (1) الى برقة وقبرص وجنوب سوريا وشطر من ساحلها احيانا , كما كان من ممتلكاتها ايضا بعض المدن الاغريقية وبعض السواحل في اسيا الصغرى وبعض جزر بحر ايجة , بالاضافة الى اراضي مصر حتى النوبة . كانت الاسكندرية هي العاصمة , وكان الاهالي يميزونها عن البلاد كلها بتسميتها " المدينة " . النظام البطلمي اقام البطالمة في امبراطوريتهم نظاما اقتصاديا متكاملا ضربوا له العملات الذهبية والفضية والبرنزية وانسأوا المصارف في البلاد . كانت الزراعة بالاضافة الى التجارة هي مصدر الثروة . الانتاج الرئيسي كان القمح . هو النيل الاخر في مصر . وكان يحتكره الملك بطليموس اعظم تاجر قمح شهده العالم عبر العصور , كما كان يحتكر المنتجات الاخرى كالزيت , والكتان , والصوف , والنسيج المصنوع منها , وورق البردي , والخمور . الاموال التي كان البطالمة يجمعونها لم تكن تظهر اثارها الا لدى الطبقات العليا . وبينما كان السلوقيون يحاولون رفع مستوى الحضارة في غرب اسيا كله , كان البطالمة انما يزرعون ضيعتهم ويملأون الخزائن لرفاههم (2) . كانت فلسفة البطالمة السياسية تأخذ من التراث الفرعوني بصورة خاصة لا من التقاليد الاغريقية . الملك في نظامهم هو الدولة . هو مصدر القانون ورأس السلطة المطلق ةالاله المعبود في الوقت نفسه . وكان رجال الحكومة لدى البطالمة الاول من الاغريق . لكن الذين نزلوا مصر منهم كانوا لا ينشؤون في المدن الجديدة مؤسساتهم المدنية ( مسارح , حمامات , سوق ... ) . الجند المرتزقة كانوا يسكنون مع الشعب في مدنه وقراه . لكن الاغريق كانوا مميزين مع كبار الكهنة والموظفين المصريين . والشعب طبقة ادنى وعليه اعمال السخرة . لذا قامت عدة ثورات كان منها ثورة طيبة سنة 85 ق.م التي حولت تلك المدينة الى مجموعة من القرى والاطلال . سقوط الدولة سقطت دولة البطالمة في النهاية بقوى الامبراطورية الرومانية التي طمعت بثروتها وتجارتها . جاءت النهاية في عهد ملكة كانت من اعظم شخصيات التاريخ البطلمي هي كليوباترا ( السابعة ) . بصرف النظر عن الدعاية الرومانية التي اطلقت ضدها في التاريخ , فان روما لم تخش في تاريخها الا عددا محدودا من الاعداء منهم هانيبال وزنوبيا وكليوباترا . حاولت هذه الملكة الحفاظ على استقلال مصر , وضمان العرش لابنائها بكل وسيلة استغلت افتتان يوليوس قيصر ثم انطونيوس بها . لكن قوة روما واطماعها كانت اقوى منها بعد ان سقط البحر المتوسط كله بيدها . فانهزمت في معركة اكتيوم سنة 31 ق.م , وانتحرت بينما كانت مصر تتحول الى ولاية رومانية . كثيرون يعتبرون العهد البطلمي , رغم طابعه الهليني الواضح , امتداد لمصر الفرعونية في الحكم والدين . لكن هذا العهد تميز بتشجيع البحث العلمي والفلسفي , وهو ما ميز الاسكندرية . اتجهت الفلسفة , في عهد البطالمة , الى بحث القيم الخلقية , وهذا ما اشاع الفلسفتين الابيقورية والرواقية . واسس البطالمة مكتبة الاسكندرية الشهيرة ومتحفها , فقلدهم زملائهم في المناطق الاخرى مما مهد لظهور نوع من الفكر الموسوعي في هذا العصر , ولتقدم الجغرافيا والفلك والرياضيات والطب والتشريح حتى الادب . | (2) الجواهر والؤلؤ كانت تأتي مصر من الهند وبلاد العرب . كما كانت مصر تنتج الجمشيت وتحصل على الياقوت الاصفر من البحر الاحمر والزمرد من تلميس في اثيوبيا . لم يكن الؤلؤ معروفا فيها قبل عصر الاسكندر والبطالمة . كما كان الماس مجهولا . ازدهر فن النقش على الجواهر في الاسكندرية التي ذاعت شهرتها كمركز عظيم لفن الصياغة . ومن ذلك ميدالية الصدر هذه التي يظهر فيها نقش بارز على حجر من الجزع ( العقيق اليماني ) لاحد ملوك البطالمة مع زوجته ضمن اطار من الذهب . هذه المصوغة الاثرية محفوظة في متحف فيينا . (3) رأس تمثال بطليموس الاول , خليفة الاسكندر في مصر ( حكم 323 - 283 ق.م ) . التمثال يعود الى سنة 280 ق.م . اي انه صنع في عهد مؤسس الاسرة البطلمية التي حكمت مصر بين 323 - 30 ق.م . التمثال في متحف كوبنهاجن بالدنمرك . (4) كليوباترا اسم اضحى مشهورا في التاريخ ولدى الناس لما امتزج فيه من الجمال والحب والسياسة . تسمت بهذا الاسم سبعة من ملكات مصر . اما المشهورة فهي الاخيرة , السابعة ابنة بطليموس ال 11 , ولدت سنة 69 ق.م , تولت الحكم سنة 51 ق.م مع اخيها وزوجها بطليموس الثاني عشر وهو اصغر منها وما لبث حرسها ان اقصاه . كان زواج الاخوة مقبولا لدى البطالمة , فكثيرات من الملكات هن في الاصل اخوة او بنات اخوة الملوك . كانت كليوباترا ذات ثقافة واسعة وارادة قوية وطموح حاولت معه حكم الامبراطورية الرومانية نفسها من خلال يوليوس قيصر ثم انطونيو اللذين اوقعتهما في شباكها . الدعاية الرومانية شوهت صورتها , مع انها كتنت الوحيدة بعد الاسكندر المقدوني التي كانت تحلم بوحدة الجنس البشري , ولكن تحت حكمها . التمثال في الصورة هو روماني الصنع لسيدة يظن انها كليوباترا , وهو موجود في المتحف البريطاني . (5) ارسنوي . شقيقة بطليموس الثاني وقرينته , ابنة بطليموس الاول ( الملقب بالمخلص ) . يصفها نقش هيروغلوفي بهذه العبارة : الابنة الحقة والاخت الحقة والزوجة الحقة . سيدة المصريين ارسنوي ... فيلولفوس ( المحبة لاخيها ( الفاتيكان ) (6) مارك انطونيو ( 83 - 30 ق.م ) , كان يحكم النصف الشرقي من الامبراطورية الرومانية , بينما كان اوكتافيوس يحكم النصف الغربي بعد مقتل قيصر . وقع تحت تأثير كليوباترا والحياة الباذخة في مصر . سقط في معركة اكتيوم سنة 31 ق.م . (7) هذا الرأس بملامحه القاسية لكاهن بطلمي , يدعونه بالرأس الاخضر ( للون حجره الاخضر ) . هو واحد من مجموعة التماثيل الشخصية البطلمية التي تميزت بمحاولة الاقتراب من النحت الواقعي بتأثير الفن الاغريقي . ( متحف برلين ) . |
الأربعاء، 18 مايو 2016
خلفاء الاسكندر ... البطالمة (1)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق