الثلاثاء، 23 فبراير 2016

اليونان الكلاسيكية

   في عام 480 ق.م , قام الفرس بقيادة احشويرش بغزو اليونان مرة ثانية , فزحف منهم جيش كثيف عبر مضيق الهليسبونت ( البسفور ) , وانحدر جنوبا عبر شبه الجزيرة . اوقف هذا الزحف , لفترة ثصيرة , بفضل بطولة 300 جندي اسبرطي , تمركزوا عند مضيق ترموبيلي الصغير , بقيادة ملكهم ليونيداس , واذ طوقهم الفرس , حاربوا حتى اخر رجل منهم . على اثر ذلك احتل الفرس اثينا . غير ان اسطول هذه الدولة - المدينة , بقيادة السياسي ثيميستوكليس ( 528 ؟ - 460 ق.م ) لم يلبث ان هزم , في معركة سلاميس (2) , الجيش الفارسي الذي اضطر اذ ذاك الى التراجع شمالا , ثم هزم مرة اخرى عام 479 ق.م في بلاثيا . 
  عصر اثينا الذهبي 
  انسحب الفرس من اليونان الا ان خطرهم بقي ماثلا , فتألف حلف دفاعي من عدد من جزر بحر ايجه , والمدن اليونانية في اسيا الصغرى عام 478 ق.م بزعامة اثينا قاعدته في ديلوس (4)
  لم تلبث اثينا , باعتبارها اقوى الدول اليونانية , ان سيطرت على حلف ديلوس , واصبحت , برعاية زعيميها السياسيين : سيمون ( توفي 449 ق.م ) وبيريكليس ( 490 ؟ - 429 ق.م ) امبراطورية بحرية بكل ما في الكلمة من معنى , فيما عدا الاسم , اصلح النظام الديمقراطي في عهد بيريكليس , وساهمت التجارة في انشاء المباني الكبيرة والانجازات الثقافية العظيمة التي كتب لها ان ترفع اسم اثينا عاليا (1)
  كان لا بد ان تثير سيطرة اثينا الغيرة والخوف , لاسيما لدى اسبرطة التي استمرت في الهيمنة على دول البيلوبونيز , ولدى كورنثيا , الدولة التجارية العظمى الاخرى . فحصلت اشتباكات متفرقة , اثناء الخمسينات من القرن الرابع قبل الميلاد , انتهت بعقد اثينا الهدنة مع منافستاها . اندلعت الحرب ثانية في عام 431 ق.م بين الا حلاف المتنافسين . 
  لقي بيريكليس حتفه بالطاعون عام 429 ق.م , الا ان كليون ( ت 422 ق.م ) واصل استراتيجيته . لم يستطع اي من الفريقين الانتصار على الاخر بصورة حاسمة , فعقد الصلح عام 421 ق.م , لكنه لم يدم اكثر من سنتين , ثم اندلع القتال ثانية . وفي عام 415 ق.م , استطاع الحزب الحربي في اثينا , بقيادة الكيبياديس ( 450 ؟ - 404 ق.م ) ان يقنع الشعب بتجريد حملة كبرى لغزو صقلية , واحتلال سرقسطة . لكن هذه المحاولة باءت بفشل ذريع . وفي عام 405 ق.م , فوجئت شراذم الاسطول الاثيني على حين غرة ودمرت في ايجوسبوتاميا , على يد ليسندرا الاسبرطي ( ت 395 ق.م ) الذي لم يلبث ان حاصر اثينا , وعندما استسلمت عام 404 ق.م , حل نظام حكم الاقليات ( الاوليجاركية ) محل النظام الديمقراطي , واستولى الاسبرطيون على الامبراطورية الاثينية . 
  زوال الحكم الاسبرطي 
  احدثت انتصارات زينوفون على رأس " العشرة الاف " , وهم المرتزقة اليونانيون الذين قاموا بزحف شهير عبر الامبراطورية الفارسية , حماسة شديدة لدى الدول اليونانية في اسيا الصغرى . فقامت بمحاولات لاستعادة حريتها , وخلع النير الفارسي عنها . الا ان الفرس حثوا حلفاء اسبرطة على الانقلاب على هذه الدول , فلم يكن لها بد من التخلي عن هذه المحاولة , وهكذا بقيت تلك المدن تحت السيطرة الفارسية . 
  شهدت السنوات الخمسون التالية اسوأ مظاهر النظام السياسي اليوناني في العصر الكلاسيكي . لكن اثينا استعادت قوتها بسرعة , واعيد بناء الديمقراطية فيها عام 403 ق.م , وما ان حل عام 377 ق.م حتى كانت تقود حلفا بحريا ضد اسبرطه من جديد . ولكن طيبة هي التي قضت على الجيش الاسبرطي في معركة لوكترا عام 371 ق.م , واصبحت بذلك الدولة المسيطرة . بعد عقد واحد , بدأ الوهن يدب فيها هي ايضا حتى استطاعت فوكيس , بفضل استيلائها على كنز دلفي , ان تستأجر المرتزقة وتبسط سلطتها لفترة قصيرة . 
  بدء العصر الهلينستي 
  استمرت المنافسات بين الدول ومنعتها من التنبه الى خطر جديد كان اخذا في التفاقم في الشمال . كانت قبائل المقدونيين حتى ذلك التاريخ قد شكلت تحالفا مفككا في ما بينها , الا ان فيليب الثاني ( 382 - 336 ق.م ) , الذي اصبح ملكا عام 359 ق.م , وكان منظما وقائدا ودبلوماسيا بارعا , توصل الى توحيد تلك القبائل , داخل مملكته . ثم انتقل الى ضم تيساليا عام 352 وتراقيا عام 342 ق.م .
  كان الاثينيون اول شعب يوناني ادرك مدى الخطر الجديد . فقد هددت سلطة فيليب طرقهم التجارية المؤدية الى البحر الاسود . ومع ذلك , فقد كانت سنوات من السلام النسبي قد ادت الى تخاذل الاثينيين , وزوال النخوة الحربية من نفوسهم . حاول بعض الخطباء ’ امثال ديموستينس ( ت 322 ق. م ) ان يحثوهم على وضع حد للخلافات التقليدية بينهم , حتى يتاح للدول اليونانية ان تتحد في وجه هذا الخطر الجديد . وبعد كثير من العناء , تم تأسيس حلف يوناني . الا ان فيليب هزم جيوش هذا الحلف عام 338 ق.م في معركة خايرونيا واحتل طيبة . اما اثينا , فقد اعدت العدة لمواصلة المقاومة . لكنها لم تلق دعما يذكر من الدول الاخرى . فكانت النتيجة انه انشئ , في مؤتمر كورنيثيا , حلف جديد ضم الدول اليونانية تحت الزعامة المقدونية . وهكذا قضي على استقلال الدول - المدن الحرة في بلاد اليونان .
  

(1) بدأ ثيميستوكليس بتحويل بيرايوس الى قاعدة لاسطول اثينا وميناء تجاري , فبنى الاسوار الاسوار الطويلة لربطها باثينا ولتمكين اثينا من المحافظة على سيطرتها البحرية , حتى لو غزيت اراضيها . ومما يدل على اهك\مية هذا العمل ان الاسبرطيين اصروا , بعد هزيمة اثينا عام 404 ق.م , على هدم الاسوار فورا  . 


(2) عندما اجتاح الفرس اثينا , فر اللاجئون مع الاسطول اليوناني الى سلاميس . هناك , وبفضل خدعة عسكرية , نصب اليونان فخا للفرس , فدمروا كتيبة كاملة منهم , فضلا عن 200 سفينة فارسية , دون ان يفقدوا اكثر من 40 سفينهم .
(3) كان المقاتلون المشاة اليونان مدججين بالسلاح , تدربوا على القتال ضمن كتائب متراصة منضبطة . كانوا يجندون عادة من صفوف المواطنين التجار , الذين اكتسبوا بهذه الطريقة  سلطة سياسية كبيرة .
(4) بعد هزيمة الفرس , استخدمت اثينا اسطولها لحماية بحر ايجة منهم , ولتحرير الدول اليونانية في اسيا الصغرى . سرعان ما تحول الحلف الديلي الدفاعي الى امبراطورية عدوانية , بزعامة اثينا التي استغلت سلطتها هذه للتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية للدول الحليفة . وقد ادى خوف اسبرطة من هذا التوسع الى التحريض ضد اثينا , والى تأسيس حكومات تتزعمها اقليات حاكمة , كما ادى الى في 431 ق.م الى اندلاع الحرب البيلوبونيزية التي عمت بلاد اليونان بكاملها . 


(5) هذا المحارب الجريح منقوش على قوصرة هيكل افايا في اجينا . خلال العصر الكلاسيكي , كان القتال متواصلا تقريبا بين الدول - المدن . فاضعف بلاد اليونان سياسيا , ولكنه لم يحل دون ازدهار الفنون والاداب والفلسفة فيها . ان انجازات اثينا تكاد تنسينا ان عددا من الدول الاخرى الواقعة في البر اليوناني واسيا الصغرى , قد انجبت ايضا فنانين وكتابا عظاما . 


(6)تظهر على قطعة الاربعة دراهم الاثينية هذه بومة اثينا التي كانت هي المعبود الشعيي الشفيع للمدينة . وفرت سيطرة اثينا البحرية والتجارية على بحر ايجة , لتلك المدينة , ثروة كبيرة , فانفقت بسخاء على الابنية الفخمة والفنون , ومكنت المواطنين من التمتع باوقات فراغهم ليشتركوا في النظام الديموقراطي , او يساهموا في الانتاج الفلسفي والادبي , وحتى في فترة انحطاطها , بقيت اثينا زعيمة اليونان دون منازع في الميدان الفكري والفني .
(7) يظهر على هذا الاناء مقاتل يوناني يفتك بعدوه الفارسي . يؤرخ لبداية العصر الكلاسيكي اليوناني عادة بهزبمة باوسايناس للجيش الفارسي عام 479 ق.م , ولنهايته ببسط السلطة المقدونية على جميع انحاء اليونان عام 320 ق.م . جاء عدد كبير من الانجازات اليونانية كنتيجة مباشرة للشعور بالاستقار والتفوق اللذين نجما عن انتصار اليونانيين على الفرس , ولكن تعلقهم بالدولة -المدينة الصغيرة , وانهماكهم بالمناورات السياسية والعسكرية , حالا دون تحقيق وحدة سياسية اوسع , يكون من شأنها ان تقف في وجه قوة مقدونيا المتصاعدة . 
(8) معبد اثينا في دلفي , الذي كان ابولون يترأس طقوسه , كان جزء من المزار المحاط بالاكرام , على نطاق واسع , في اليونان القديمة . كان الدين في العصر الكلاسيكي عبارة عن قرابين ومراسم تؤديها الدولة والفرد , دون ان تنطوي على عنصر الارشاد الخلقي او التجربة الصوفية , الا ان الايمان الديني الواحد ادى الى الشعور بحضارة مشتركة , اكتسبت عناصر اضافية اخرى عن طريق مهرجانات شبه دينية , كالالعاب الاولمبية .




















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق