الجمعة، 4 مارس 2016

المجتمع اليوناني الكلاسيكي

   كانت اليونان الكلاسيكية منشأ لكثير من الافكار ذات الاثر العميق في الفن والادب والفلسفة والعلم في الغرب , كم كانت لها مساهمة كبرى في ميدان السياسة , اذ نمت فيها مثل الديمقراطية لاول مرة . في جميع هذه الميادين كانت اثينا هي السباقة , وهو ما اقر به حتى معاصروها . ففي قرنين اثنين , انجبت اثينا سلسلة من الكتاب والفنانين والعلماء والفلاسفة البارزين , وكانت تجذب اليها الكثير من غير ابنائها , حتى انه يمكن القول انه لم يبق احد تقريبا من الشخصيات الهامة في الحياة اليونانية الثقافية الا وكانت له صلة باثينا , على الاقل في مرحلة من مراحل حياته . 
  اثينا والديمقراطية 
  كانت اثينا . المدينة - الدولة , اكبر الدول - المدن العديدة التي ظهرت في اليونان . كانت مساحتها نحو 2500 كلم مربع , وقد بلغ عدد سكانها في اوج نموها حوالي 260,000 نسمة , منهم نحو 45000 من المواطنين الذكور ونحو 70000 من العبيد . اما الباقي فكان من النساء والاطفال والاجانب المقيمين . في ذلك الوقت نفسه كان عدد سكان كورنثوس حوالي 90000 , وكل من طيبة وكيرسيرا واكراجاس حوالي 50000 , والدول الاخرى من 5000 وما دون . 
  قام مفهوم الديمقراطية , في جميع هذه الدول - المدن , على المشاركة المباشرة في الحكم , لا على نظام التمثيل , وكانت لجميع المواطنين فرص متكافئة لبلوغ المناصب الرفيعة . 
  على غرار عدد من الدول اليونانية الاخرى , مرت اثينا بمرحلة انتقالية من نظام حكم الاقلية ( الاوليغاركية = حكم نفر محدود من الافراد ) , الى نظام الحكم الطغياني ( اي حكم الحاكم الفرد  المستبد ) . واقترنت تلك المرحلة الانتقالية بصراع بين الاغنياء والفقراء , قبل ان تضع اصلاحات كليستينيس عام 508 ق.م الاطار الديمقراطي للدولة . 
  كان عماد هذه الديمقراطية جمهور المواطنين , او الشعب , وكانت المواطنة حقا يحافظ عليه المرء بحرص شديد , ولم يكن يعطى للاجانب الا قليلا , ولم يعط قط للنساء ( 3) والعبيد . كانت السلطة بكاملها منوطة بالشعب الذي كان يجتمع في جمعية عامة , كل عشرة ايام تقريبا (6) , وهناك كان باستطاعة اي مواطن ان يتقدم بمقترحات تتعلق بالقوانين او الاجراءات , فتناقش ويجرى عليها الاقتراع . وهناك ايضا كان يتم انتقاء الموظفين المدنيين والدينيين . وكانت هيئات القضاء تنتخب من بين المتطوعين .
  حقوق وواجبات 
  كان كل مواطن اثيني يتمتع بحق وواجب خدمة الدولة . ولما كان عدد المناصب التي يجب اشغالها كل سنة يبلغ 1000 منصب , فقد كان نجاح النظام الديمقراطي متوقفا على وجود عدد كاف من الرجال الذين كان لدبهم الوقت الكافي , والرغبة في تكريس حياتهم للخدمة العامة . ومن الحقائق التي يجدر التنويه بها ان اثينا لم تفتقر في يوم من الايام , الى رجال اكفاء يخدمون الدولة , مقابل مكافأة زهيدة , او دون اي مكافأة . 
  كان الاثينيون يجمعون ثروتهم من الارض والحرف والتجارة . ففي مطلع القرن الخامس ق.م , كانت اثينا مصدرة رئيسية للفخاريات والزيت والنبيذ , ومستوردة للسمك والخشب والقمح الذي كانت تعتمد عليه اعتمادا كبيرا . وقد نشأت في اثينا طبقة محددة من الرأسماليين , وطبقة عمال ( بروليتاريا ) من سكان المدينة . وتمتعت هاتان الطبقتان باوقات فراغ وفيرة , نتيجة لاستخدام العبيد في القيام بالكثير من الاعمال الاساسية . وعلى الرغم من نفوذ الاغنياء , فمن الجدير بالذكر ان الديمقراطية الاثينية لم تشهد الا القليل من حوادث المجابهه , بين الاغنياء والفقراء , التي كانت تولد الاضطراب الدائم , في معظم الدول - المدن الاخرى . 
  كان جميع المواطنين والغرباء مدعوين للخدمة العسكرية . ولكن في الواقع لم يكن يقوم بتلك الخدمة سوى الاغنياء , لانه كان على الجنود انفسهم ان يدفعوا ثمن تجهيزاتهم العسكرية . 
  اسبرطة : دولة عسكرية 
  لم تحقق اي دولة اخرى النظام الديمقراطي الذي حققته اثينا . كانت اسبرطة هي اهم منافسة لها , معظم هذه الحقبة . وكان نظامها السياسي والاجتماعي هو النقيض لكل ما كانت الديمقراطية تمثله . فمع حلول عام 600 ق.م كانت اسبرطة قد اصبحت دولة عسكرية فريدة , اذ كانت قد اخضعت لاكونيا ومسينا , واستعبدت قسما من سكانهما , وسلبت قسما اخر حقوقه السياسية , واكرهت البقية على القيام بأود الاسبرطيين بدفع الضرائب , او بأمدادهم بالطعام , او باليد العاملة . 
  ولمنع حدوث ثورة او انفصال , تحولت اسبرطة بكاملها الى معسكر للجنود . لم يكن عدد المواطنين فيها كبيرا قط ( اذ لم يزد قط على 5000 على الارجح ) , الا ان كل فرد كان جنديا محترفا , كرس نفسه منذ طفولته للانضباط المطلق , ولفن الحرب . لم تكن اية دولة يونانية تشبه اسبرطة , من حيث الانغلاق والخوف من الاجانب . كما ان الحرف والتجارة كانت موضع احتقار كبير . وقد الرفض التام لادخال مواطنين جدد الى تناقص عدد السكان , والى الهزيمة في نهاية المطاف . 
  بقيت اسبرطة نموذجا للمجتمع المغلق , والمنضبط كل الانضباط . ولكن اثينا سعت وراء الحرية الفردية والديمقراطية .    
   

(1) لعبت المباريات الرياضية , وتنمية الجسم الصحيح والحسن التدريب , دورا هاما في الحياة الاجتماعية اليومية في اليونان . كان الملعب او الساحة الرياضية ملتقى شعبيا ’ حيث كان بوسع الناس التحدث , وعقد النقاشات السياسية والفلسفية . حدد اليونانيون بدء تاريخهم بأول مباراة اولمبية جرت عام 776 ق.م وكانت تتكرر , سنويا في مهرجان يشترك فيه متبارون من جميع انحاء العالم اليوناني , فيوفر لليونانيين فرصة الاجتماع كأمة واحدة .


(2) كان المشاة الاسبرطيون مجهزين تجهيزا حسنا وباهظ التكليف . كانت دولة اسبرطة , القائمة على شعب معبأ كليا للخدمة العسكرية , ( فقد كان الاطفال يرسلون الى الثكنات وهم في السابعة من العمر , دون ان يسمح لهم بأية شواغل اخرى ) تتمتع بنظام فريد من نوعه في اليونان , اعطاها اهمية تفوق بكثير الاهمية التي كان يستحقها حجمها الصغير . كانت معظم الدول الاخرى تعتمد على التعبئة المؤقتة لخوض الحروب المتكررة , التي كانت جزء من الحياة اليونانية . الا ان طبقة من المرتزقة المحترفين نشأت اثناء القرن الرابع ق.م وربما بلغ عددهم 50000 محارب تقريبا , وقد قاتل بعضهم بجانب الفرس . 


(3) كانت النساء في اليونان الكلاسيكية هي طبقة العبيد الكبرى . لم يكن لهن اي حقوق سياسية او قانونية , وكن يستثنين من جميع الشؤون العامة . كان مكانهن مع الاولاد في البيت . وقد ادى غيابهن عن الكثير من نواحي الحياة الاجتماعية , الى انتشار العلاقات الشاذة وقيام نظام " الهيتيرا " , وهن غانيات من مستوى رفيع , لا يخضعن لاعراف السلوك التقليدي . 

(4) تظهر على هذا الاناء اليوناني صور لمعبودات ذكور واناث , بينهن اثينا وهي تحمل ترسا نقشت عليه بومة . جاء وصف المعبودات اليونانية في ملاحم هوميروس , وكانت تمثل على شكل بشري , وتتحلى بالعواطف البشرية بل كثيرا ما كانت تتدخل في شؤون البشر . كان الناس يتضرعون اليها او يسترضونها بالصلوات او الاضحيات . ولم يكن ثمة ايمان واضح بحياة بعد الموت , بل كان الدين في جوهره انيا ومكرسا في سبيل الحياة الهنيئة على هذه الارض .

(5) كان بيركليس ( 490 ؟ - 429 ق.م ) السياسي الاثيني العظيم الذي اصبحت اثينا بزعامته اغنى واقوى دولة يونانية . واليه يعود الفضل في بناء الهياكل والانصاب الرائعة في الاكروبوليس .







(6) كان النظام السياسي الاثيني , في القرن الخامس قبل الميلاد , قائما على سلطة جمعية المواطنين التي كانت تقترع على جميع القرارات الرئيسية . كان الموظفون الاداريون مسؤلين امام الجمعية , وكانت تنتخبهم قبائل المواطنين العشر لفترات محددة , يستثنى من ذلك فقط القادة العسكريون العشر الذين كانوا ينتخبون ويحق لهم تالبقاء في الخدمة اكثر من سنة واحدة . كذلك كان بالامكان ممارسة السلطة الشعبية على كل من الموظفين والقانونيين , عن طريق المحاكم ,ة حيث لم يكن لهيئات المحلفين الشعبية الضخمة صلاحيات قضائية وحسب , بل تشريعية ايضا , فضلا عن صلاحية البت في دستورية القوانين .

(7) عجل يقاد الى الذبح كقربان في طقس ديني . كانت الدولة تشرف على الدين اليوناني , وكانت الصلوات والقرابين المفروضة يقوم بتقديمها كهنة او افراد عاديون منتخبون . لكن لم يكن للدين اليوناني ذلك اليقين الخلقي والاهتمام بالشؤون الخاصة للافراد , اللذان تميزت بهما الاديان اللاحقة . كانت المعبودات كائنات شبه بشرية , اعتباطية التصرف , ولا تتصف بالحكمة , وينبغي ارضاؤها عن طريق القرابين في اغلب الاحيان , وكان سلوكها لا ينطوي على اي مثال يقتدى به . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق