"الالياذة" و "الاوديسة" ما زالت شخصية هوميروس , وهو احد الاسماء العظيمة في الادب العالمي , موضع تساؤل حتى اليوم . فنحن لا نعلم اذا كانت مؤلفاته هي مجموعة اناشيد من وضع عدة شعراء شعبيين , او روائع من وضع عبقري فائق واحد , وان كان الاحتمال الاخير ضعيفا . لكن مما لا يرقى اليه الشك ان " الالياذة" و " الاوديسة" هما من اعظم المؤلفات الادبية . وضعتا في القرن الثامن ق.م على الارجح , الا انهما تصوران شخصيات شبه اسطورية , عاشت قبل ذلك ب 500 سنة . تصف الالياذة احداثا وقعت في اواخر حرب طروادة . قصة الملحمة مبنية على اساس من الواقع , مع انها في جوهرها نسج رائع من الخيال الشعري . وتصف ملحمة الاوديسة وهي اقصر من سابقتها (4) ما عاناه اوديسيوس في طريق عودته من تلك الحرب . بعد هوميروس بقليل , الف هيسيود قصيدتين ملحميتين تنطويان على عناصر تعليمية بارزة , هما " الاعمال والايام " و " توالد الالهه " . وكان الشاعر الملحمي اليوناني الكبير الاخر في تلك الحقبة هو ابولونيوس روديوس ( ولد 295 ؟ ق.م) . كان الشعراء اليونان عامة تستهويهم حرية الوزن والتعبير التي يوفرها الشعر الغنائي . نشأ الشعر الغنائي من اغان تنشد على لحن القيثارة , وبلغ اوج تطوره في القرنين السابع والسادس ق.م , لكن لم يصلنا منه الا شذرات تشهد على التهاب العاطفة , والعذوبة , والقوة التي كانت تتصف بها كتابات الشعراء من امثال تربندر وسافو والكايوس من بلدة ليسبوس والكمان الاسبرطي واناكريون , اما استيسيخورس , الذي ينسب اليه وضع اناشيد الكورس التي تكرم ابطال الشعر الملحمي , فقد اثر تأثيرا عظيما على بندار ( 522؟- 440 ق.م ) . شعراء المأساة يظهر ما يدين به الادب الغربي لليونان , على ابرز وجه , في الحقل الدرامي . فالماسي اليونانية الاثنتان والثلاثون التي لم تندثر قد هزت مشاعر الجماهير والهمت الكتاب في جميع انحاء العالم تقريبا , على مدى يربو على 2000 سنة . اما عمالقة المأساة اليونانية فهم ايسخيلوس (525 ؟ - 456 ق.م) وسوفوكليس (496؟-406 ق.م) ويوريبيدس (480؟ - 406 ق.م ) . لكل من هؤلاء الشعراء عبقريته الخاصة . فاسخيلوس يمتاز بالعظمة , وسوفوكليس بالمقدرة على التعبير عن المعضلات الخلقية , ويوربيدس بالنظرة الثاقبة الى الطبيعة البشرية . كانت المأسي اليونانية تمثل في المهرجانات (5,6) فتقدم ثلاث ماس في كل حفلة , بالاضافة الى مسرحية ساخرة كانت عبارة عن محاكاة هزلية للاساطير القديمة . لا نعرف بصورة جازمة كيف تطورت الماساة حتى بلغت هذا الشكل المعقد الذي وصلنا ؟ من المحتمل انها انبثقت عن اناشيد الجوقة التي كانت ترنم في المهرجانات الدينية . يروى ان شاعر شبه اسطوري يدعى ثيسبيس ادخل الى المسرح شخصية تجيب على اقوال الجوقة . ثم بدأت الدراما الاصلية , التي تنطوي على صراع بين الاشخاص , عندما ادخل ايسخيلوس شخصية ثانية . اما سوفوكليس , فقد استخدم ثلاث شخصيات . ان مفهوم الملهاة ( الكوميديا ) اليونانية يكاد يكون مرادفا لاحدى عشرة مسرحية وصلتنا من قلم اريستوفانس ( 448؟ - 388 ق.م) كانت كوميدياته شعبية وشخصياته مضحكة , ومعالجته الساخرة للحياة , وللافكار , وللزعماء المعاصرين , لاذعة في اغلب الاحيان .وكان لا يتردد حتى في هجاء المعبودات . ثم جاء ميناندر (342 ؟ - 292 ق.م) فألف كوميديات تعالج اداب السلوك في حياة المدينة , لكنها تفتقر الى حيوية اريستوفانس ولذعه . قلدها وترجمها الى اللاتينية بلوتوس وتيرنس اللذان تأثر بهما , فيما بعد , شكسبير وموليير . المؤرخون تناول كل من مؤرخي اليونان القديمة العظيمين مهمته بطريقة خاصة تختلف جدا عن طريقة الاخر . فهيرودوتس (485؟ - 425 ق.م) اتخذ الصراع بين اليونان والفرس موضوعا رئيسيا له , وكان رحالة وقصاصا لا يكل . اما توكيديدس (460؟-400ق.م) فكان اول مؤرخ علمي . فقد عاصر فعلا , الاحداث التي يصفها , في روايته لاخبار الحرب البيلوبونيزية , واستجوب المشتركين في تلك الحرب , وشهود العيان من كلا الجانبين , وربط بين العلة والمعلول , وبسط الوقائع باسلوب مقتضب وصريح . من المؤرخين اليونانيين اللامعين ايضا زينوفون (430؟- 354 ق.م) وبيليبيوس (200؟-120ق.م) . الفرعان الاخران للادب اليوناني هما الخطابة والفلسفة . يعتبر ديموستنس (383؟-322ق.م) اعظم من سائر خطباء اثينا اللامعين , وهم ليسياس , وايسوقراطس , واسكينس . اما فيما يتعلق بالفلاسفة , فقد انفقد الكثير من كتابات ارسطوطاليس (384 - 322 ق.م)الفلسفية والادبية عدا ما انقذه العرب منها . اما " محاورات" افلاطون (427؟-347 ق.م ) (2) فتقدم نماذج من النثر اليوناني في ابدع اشكاله . |
(1) لم يصلنا اي من الالات الموسيقية اليونانية , ولكن , بالاستناد الى الاواني والرسوم , نعرف ان الالات الرئيسية كانت الناي (ا) , ونوعين من الكنارة هما , القيثارة (ب) والرباب (ت) . كان العزف يتم على زوج من النايات , وتنضم اليه احيانا جوقة العازفين . اما القيثارة , فكانت ثقيلة , يستعملها موسيقيون محترفون .
(2) هذه القطعة من الفسيفساء الرومانية , التي وجدت في فيلا بالقرب من بومبيي , تمثل حديقة الزيتون المكرسة للبطل اليوناني اكاديموس حيث اسس افلاطون مدرسته الفلسفية المعروفة بالاكاديمية حوالي عام 387 ق.م . يظهر افلاطون , وهو الثالث الى اليسار , يعلم في الاكاديمية التي استمرت حتى عام 529 م , عندما اقفلها الرومان . كان افلاطون ناثرا فذا , وكانت محاوراته , ( في الظاهر مع سقراط ) , تتراوح بين الحديث العرضي , وبين المجابهه العنيفة . من خلال تلك الاثار , تبرز اسضا صورة الفيلسوف المتسائل , والحكيم المتواضع . كان تفكيره من العوامل التي اثرت كثيرا في الفلسفة الغربية حتى القرن العشرين . عند افلاطون , ليست الموجودات التي تدركها الحواس الا انعكاسا لصورتها او مثالها الذي هو وحده موجود وجودا حقا . ولكي يصل المرء الى معرفة المثال , عليه ان يتحلى بالعقل او الادراك المجرد . (3) هذا التمثال الصغير من الفخار المشوي العائد الى القرن الرابع ق.م يبين ممثلين يلعبان دور رجلين سكيرين طاعنين في السن . كما كان مألوفا في الملهاة اليونانية , كان الممثلون يلبسون اقنعة مخيفة وازياء غريبة . (4) يسرد هوميروس في الاوديسة الاخطار والمصاعب التي احاقت باوديسيوس السئ الطالع , في طريق عودته الى ايثاكا , بعد اشتراكه في القتال مع اليونان في حرب طروادة . تظهر الرسوم على الانية عدة احداث , مثل لقائه مع الحوريات واصدار اوامره الى البحارة بأن يسدوا اذانهم بالشمع , كي لا تجذبهم نحو الصخور اغاني الحوريات , فيما اوثق اوديسيوس نفسه الى السارية , حتى يتاح له ان يصغي اليها دون خطر . (5) تظهر الجوقة في ماساة يونانية , على هذا الاناء , وهي ترقص على ايقاع الشعر وتنشد على موسيقى الناي , في عهدها الاول خاصة , جمعت الماساة اليونانية بين نمطين مختلفين . فالحوار بين الممثلين , او بين الممثلين والجوقة , كان ينشد على الحان الوزن العنبقي . اما قصائد الجوقة , فكانت تبنى على عدة اوزان معقدة , للتعبير عن العواطف التي تعالجها الاشعار . (6) جرت العادة ان تمثل , في كل سنة , مجموعة من الماسي اليونانية على مسرح ابيدوروس الرائع , الذي يعود الى القرن الرابع ق.م . تظهر هنا اجزاء المسرح المختلفة : فالى الامام تقع الاوركسترا المستديرة التي كانت الجوقة ترقص وتغني فوقها , ورائها خشبة المسرح التي كان الممثلون يقفون عليها , في مؤخرة الخشبة المشهد او الخلفية الدائمة التي كانت تصنع من الخشب في الفترات المبكرة , ومن الحجر فيما بعد . المسرحية الظاهرة هنا هي مسرحية " اليكترا " لسوفوكليس , وهي قصة انتقام اوريستيس ابن اغاممنون شقيق اليكترا , من قاتلي والده . يقف الممثلون الى اليمين , والجوقة في الوسط والى اليسار . بقي لنا من مؤلفات سوفوكليس , سبع ماسي كاملة . |
السبت، 5 مارس 2016
الادب والمسرح اليونانيان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق