حتى زمن قريب , كان الفن الروماني يعتبر بمثابة جسر يصل فن اليونان بفن العصور الوسطى , وكان ينظر اليه كفن منحط الى حد كبير , لكنه كان يقدر بعض التقدير لانه كلن يؤمن استمرار التراث ولانه , رغم كونه مستمدا بكامله تقريبا من نماذج يونانية , لم يكن يخلو من بعض الاثار القيمة . اما اليوم فمن المسلم به , على نطاق واسع , ان الفن الروماني , وان كان قد اقتبس الاساليب والتقنيات اليونانية , فقد عدلها ونماها بالفعل كثيرا , اذ اعادت روما صياغة الفن اليوناني , ليعبر عن المثل العليا للامبراطورية , اي سلطة الحاكم ودوره كراع لمجتمع منظم وحام له ومحسن اليه . الفن اليوناني والفنانون اليونان في روما اعترف الرومان انفسهم بتفوق الفن والعمارة اليونانيين . فمنذ ابتداء الاتصالات الاولى بين الثقافتين , اخذ سيل متواصل من النحاتين والمعماريين والصناع , في سائر الحقول , يفد على الامبراطورية الرومانية من الشرق , لكي يسد حاجات سكانها المتزايدة . وفي فترة مبكرة , اي حوالي 268 ق.م , انجز الفنانون اليونان رسم تصميم العملة الرومانية , كما انه ما كاد يتم احتلال روما للعالم اليوناني , حتى تهافتت على روما كميات ضخمة من الغنائم تتراوح بين الحاجات التزيينية الصغيرة وبين التماثيل الضخمة . في سنة 178 ق.م استولى مرقس فولفيوس نوبيتور اثناء حملاته في ايتوليا على 285 تمثالا من المرمر , كما استولى اميليوس باولوس سنة 168 ق.م على ما لا يقل عن حمولة 250 عربة من الكنوز الفنية من مقدونيا , وقد استخدم الفنانون اليونان , في نسخ هذه الاعمال او تقليدها , لتلبية الطلب الشديد عليها . كانت تفصل بين الفنين اليوناني والروماني مواقف واساليب جمالية مختلفة . فالفن اليوناني كلن من نتاج افراد , تدون اسمائهم , كفيدياس مصمم البارثنون مثلا , بينما كانت القطعة الفنية الرومانية لا تحمل عموما اي اسم , لان السيد الذي كان يأمر بصنع تلك القطعة , كان يعتبر نفسه اهم من الفنان الذي يبتكرها . وهكذا بقيت لنا من الرومان اثار تحمل اسم الآمر بصنعها , لا اسم صانعها , كقوس قسطنطين وحمامات كاراكلا وسور هدريان . بحلول عصر اغسطس ( 63 ق.م - 14 م ) كانت التأثيرات اليونانية ( والى حد ما الاترسكية ايضا ) قد استوعبت , كما استقرت معظم الاشكال المعمارية . يعطي فن العمارة الرومانية شواهد على تنوع عظيم في النماذج والانماط الاقليمية , التي كانت تستعين بطائفة متنوعة جدا من المواد المحلية . وكان من اهم خواصها انها طورت تصميم اليونان العمودي والمؤفق ( الاسطوانة والاسكفة ) واحتفظت بالانماط المعمارية الثلاثة عند اليونان , وادخلت بعض التعديلات عليها , احيانا في المبنى الواحد , كما حصل في بناء الكولوسيوم (5) . لكن الرومان اضافوا الطراز التوسكاني , وهو تحوير للدوري , والطراز المركب وهو خليط من الايوني والكورنثي , وكانت جميع الانماط هذه تستعمل في التزيين , الا ان الطراز الكورنثي المعقد الذي كان اقلها شعبية عند اليونان , اصبح النمط المفضل عند الرومان . كذلك طور الرومان فن التزيين الداخلي , واستعملوا المرمر والالبسطر والتصاوير والفسيفساء وكانوا يهتمون بالتزيين الداخلي اكثر من اليونان . وقد اضافوا الى هذا الثراء البصري المتزايد تنوعا اكبر في الاشكال , اذ ضاعفت الحياة المدنية عند الرومان الحاجة الى مبان شتى , من نوع الحمامات والمسارح والمدرجات والجسور والقناطر والاقنية والمنازل المتعددة الطبقات . تجلى الاستغراق في السياسة بصورة خاصة في عهد اغسطس الذي كان يوصف , بحكم مهمته كصانع السلام والرخاء في الامبراطورية , كحاكم طاهر القلب متسامح جميل ودائم الفتوة (2) . تتجلى الشكلية الصافية وتنوع الصور الخاصين بالفن الاغسطي في النحوت النافرة لمذبح السلام . وفي برنامج التوسع المدني الذي استحدثه اغسطس , اعاد بناء عدد من الابنية ( 82 هيكلا في روما وحدها ) وبنى عدد اخر , بما في ذلك هيكل المريخ المنتقم , والساحة الاغسطية , والمنزل المربع في مدينة نيم (1) . الرعاية الامبراطورية من ميزات العصر الاغسطي انه ارسى قواعد مختلف الانماط المعمارية الرومانية , ثم جاءت الاتجاهات اللاحقة تعكس اذواق الحكام الفردية , وتشدد على وثاقة الرابطة بين الراعي الامبراطوري والموضوعات التي امر بصنعها . ففي عهد نيرون وافراد اسرة فلافيوس مثلا , اعطي الفنانون حرية اوسع , وبالتالي شيدت عدة مبان غريبة , منها مبان طريفة ذات حجر مثمنة الزوايا او مدورة او بيضاوية الشكل . الواقعية وتمثيل الاشخاص تطور تمثيل الاشخاص وهو من اعظم انجازات الفن الروماني , خلال هذه الحقبة . فقد تحول عن المثالية التي نادت بها الدعاية الرسمية المتجلية في رسوم اغسطس , متجها نحو نزعة واقعية بارزة , تكاد تكون وحشية , في عهد حكام متأخرين مثل كلوديوس ونيرون . كان الفنانون يحاولون تخطي الفرد في بحثهم عن الحقائق الكلية , لكن الرومان انصرفوا الى التقيد الدقيق بالواقع (6,8) . ويبرز التقابل بين المثالية والواقعية خاصة في التماثيل النصفية , وفي الرسوم الروائية النافرة التي حفرت على قوس تيطس (3) وعمود تراجان . | (2) كان الفن الاغسطي يستعمل بمثابة اداة للدعاية . في هذه المحفورة يمثل اغسطس الذي لا يشيخ كزعيم مخلص ومبجل لمجتمع روماني مثقف ورفيع الذوق . (4) هذه اللوحة البومبايية تقوم شاهدا على الاتقان في استعمال الالوان ورسم الظلال والانتباه للتفاصيل وتذوق الداخل المعماري . كانت هذه هي سمات فن الرسم في القرن الاول م . (5) ابتكر فكرة المدرج الفلافياني في روما المعروف بالكولوسيوم الامبراطور فيسبازيان الذي بناه بين سنتي 72 و 81 . كان احد الانجازات المعمارية الهظمى عند الرومان , واصبح نموذجا للمدرجات في جميع انحاء الامبراطورية . كان هيكله الخارجي وبنيته الداخلية الرئيسية يتألفان من قطع ضخمة من نوع الحجر الكلسي الصلب المعروف بالترافرتين , بينما كان الباقي مبنيا من حجر اطرى ومن خرسانة تغطيها طبقة من المرمر . كانت الواجهة ذات الاعمدة تبلغ 45,7 مترا في الارتفاع , وتشمل اعمدة من الطرز الثلاثة , اي الدوري والايوني والكورنثي . وكان القسم الاعلى مزينا لعدد من التماثيل . (6)يبين هذا التمثال " اغسطس الذي لا يشيخ " الامبراطور لابسا درعا تزينه رسوم تخلد الانتصار على البارثيين . ومع انه نحت على غرار تمثال يوناني , فالوقفة المعدلة وقوة شكيمة الرأس تطبعانه بطابع الابتكار الروماني الاصيل سواء من حيث المفهوم او الطراز . (8) انبثق تمثيل الاشخاص عند الرومان عن عادة صنع اقنعة للموتى من الشمع , من اجل المواكب الجنائزية . يمثل هذا الرجل البطريقي والتمثالان النصفيان لجديه افرادا حقيقيين يمكن التعرف عليهم لا مجرد نماذج وحسب . |
الخميس، 1 ديسمبر 2016
الفن الروماني (1)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق