الاثنين، 5 ديسمبر 2016

الفن الروماني (2)

  في عهد تراجان , انبعث الاهتمام ثانية بفن العصور السابقة , وبلغ ذروته في عهد خلفه هادريان (76-138 م) فقد ادى رخاء الامبراطورية الاقتصادي الذي الذي لم يكن له مثيل من قبل , بالاضافة الى رعاية الامبراطور الشخصية للفنون , الى نهضة هاينستية حقيقية , والى اقتباس الكثير من الفنون الاقليمية خاصة من سوريا ومصر , واستمرت هذه الحركة حتى عهد هادريان وما بعده , فحددت الى درجة كبيرة شكل الفن الروماني في القرن الثاني الميلادي كله . 
  الانبعاث المعماري الهادرياني 
  كانت فيلا هادريان في التيفولي (5) , التي وصف احده بقاياها بقوله " انها على الارجح اجمل مجموعة من الخرائب على الثرى الايطالي " , اروع المجمعات المعمارية الرومانية . استعمل فيها بسخاء المرمر المتعدد الالوان , ووسائل التزيين المعمارية المتنوعة , بما في ذلك الاعمدة الطويلة المقوسة التي كانت شائعة في الامبراطورية الشرقية . 
  اضافت هذه الملامح وروائع النحت اليونانية او المتأثرة باليونان التي احاط هادريان نفسه بها , عددا من العناصر الجديدة والهامة الى الفن الروماني , انشأ هادريان اكثر الروائع الفنية الرومانية الطابع مثل بناء مجمع المعبودات " البانثيون " , اهم بناء مقبب في ذلك العصر (1)
  في عهد الاباطرة الانطونيين الذين خلفوا هادريان , بقيت العمارة يونانية الطابع في معظم الاحوال , فقد كانت الطرز الثلاثة تستعمل على نطاق واسع , وشيد عدد من المباني الضخمة , كمجمعات الهياكل الكبرى , ةلا سيما في الامبراطورية الشرقية . لكن في الوقت نفسه , استخدم عدد من الاساليب المعمارية الجديدة , بما في ذلك الواجهات المبهرجة , والاعمدة المزينة على طريقة اجنبية والفاصلة بين الاقسام الداخلية , والاكثار من عدد الكوى لوضع المنحوتات , وطائفة من اشكال التزيين السطحي من شتى الانواع . 
  في عهد الاباطرة  "السيفرانيين" في القرن الثالث , كان ارتفاع مكانة المواطنين وثروتهم , في الاقاليم الرومانية خاصة , يتجليان في سلسلة من الاعمال المعمارية الفخمة . وقد حاول بعض الحكام مثل كاراكلا ( 188 - 217 ) مضاهاة اباطرة سابقين في انجازاتهم , فاستحدثوا عددا من مشاريع البناء الضخمة ,  مما ادى الى عدد كبير من المباني , كان ابرز ما يلفت النظر في هذه المباني هو حجمها الهائل والاغراق في التزيين . 
  من هذه المشاريع حمامات كاراكلا بروما , وهي افضل الحمامات الامبراطورية الباقية حتى اليوم . كانت تتسع ل1600 مستحم , وكانت تعلو حجرتها الوسطى قبة يبلغ ارتفاعها 54,8 مترا . كانت هذه الحمامات مزينة بالمرمر الملون , وبالتماثيل التي لا تقدر بثمن . لكن اهتمام الرومان بالتزيين الداخلي , اكثر من التزيين الخارجي , جعل هذه الابنية بسيطة المظهر من الخارج . 
  لم تشجع عهود اباطرة القرن الثالث المتأخرين , وانصرافهم للدفاع عن الامبراطورية , برامج البناء على نطاق واسع , باستثناء تلك التي كانت تتعلق بالاعمال العسكرية , فبلاط ديوقليسيان ( 245 - 313 ) المحصن في سبلاتو بدالماسيا ( الذي انجز بناؤه عام 305 ) يبرز كاهم بناء عسكري في الحقبة المتأخرة , ويمثل التحول عن النزعة التزيينية الى النزعة الوظيفية الصرف .  
  النحت حتى القرن الثالث م 
  اثر الامبراطور هادريان على الفن تأثيرا جعل فن النحت يتحول , من السعي وراء العظمة الجدية التي اتصف بها في عهد تراجان , الى نشدان الجمال الحي الذي يميز الاعمال اليونانية .
  في الحقبة الانطونينية , اصبحت التماثيل اضخم حجما واشد تعقيدا , واخذ استعمال الازاميل لحفر الحجارة يستبدل به تدريجيا استعمال المثقاب مما مكن من اداء تزييني افضل لتفاصيل الشعر والملابس , وهكذا صنع عدد من التماثيل البرونزية الرائعة , كتمثال مرقس اوريليوس ( 121 - 180 ) ممتطيا جواده (7) , لكن لم يصلنا منها سوى القليل . 
  ثمة نوعان معينان من النحوت النافرة وجدا معا في هذه الفترة وبقيت نماذج منهما : اسلوب بدائي يكاد يكون من الفن الشعبي , كما نشاهد عل عمود مرقس اوريليوس , واسلوب يمثل استمرار العناصر الكلاسيكية اليونانية . اندمج هذان التياران من النشاط الفني في قوس قسطنطين (3)
  كانت منحوتات القرن الثالث المضطرب متفاوتة الجودة فقد اصبحت الرسوم النافرة اقل دقة وظهر اتحاه جديد نحو التكلف والتناظر التجريدي , مما ادى الى العودة لاستعمال الازميل عوضا عن المثقاب . نجم عن ذلك ظهور الاشغال ذات الزوايا , كما يبدو في اعمال شهيرة ومثيرة مثل رأس قسطنطين الضخم (6)
  التصوير والحرف 
  يظهر ان التصوير لم يتخط ما يعرف عادة بالاسلوب الرابع المكتشف في بومبيي . فقد تطور من الفسيفساء بسؤعة , وكان اصلا تقنية خاصة بارضية البيوت في القرنين الثاني والثالث , حتى حل عمليا محل التصوير كطريقة لتزيين الجدران . 
  بالرغم من المراسيم الامبراطورية المتعددة الموجهة ضد البذخ الفردي , فقد شاعت بكثرة , في جميع انحاء الامبراطورية , المجوهرات الانيقة والاثاث البديع المرصع بالعاج , وشتى المصنوعات المعدنية . 

(1) البانثيون في روما ( بني حوالي 118 -  125 م) هو احد الابنية العظيمة التي كان لها اكبر التأثير في تاريخ فن العمارة . بعد ان اعاد الامبراطور هادريان بناءه كليا اصبح اعظم بناء مقبب في العالم , حتى العصور الحديثة . وهو اقدم بناء ما زال سقفه قائما بكامله . للرواق الذي يرتفع على 16 عمودا من الجرانيت مدخل فخم ولكنه تقليدي , الا ان القبة وهي نصف كرة تامة تلفت النظر لا بحجمها وحسب , اذ يبلغ قطرها 43,2 مترا , بل لانها تبدو للناظر خفيفة ايضا , وهو وهم بصري ينجم عن المهارة في التلبيس الخشبي , الذي كان في الاصل مطليا بالجبس ومذهبا . وعن وجود مصدر مركزي واحد للاضاءة , اما طريقة البناء الفعلية فما زالت غامضة , ولكنها تنم عن فهم عميق وراق جدا لتقنية الخرسانة .

 (2) يصور ضريح معركة بورتوناتشيو الرومان في كفاح مرير مع الغزاة الشماليين , وهو يبرز اللحظة التي يبدو فيها النصر في قبضة القائد الروماني . يهيمن الامبراطور هوستيليان ( توفى 251 ) الواقف بعيدا عن كومة الاجسام هيمنة تامة على المشهد , تعطينا مهارة النحت مثالا حيا على فن القرن الثالث . 
 (3) كانت تزين قوس قسطنطين مجموعة متنوعة من لوحات الرسوم النافرة والتماثيل , كان عددا منها قد انتزع من الابنية العامة السابقة , يلخص هذا الاثر الانماط الفنية الرئيسية , من عهد تراجان حتى قسطنطين , وينم عن التحول باتجاه الفسيفساء والتصوير . 

 (4)هذا الصحن الكبير هو من مجموعة فضية رومانية معروفة بكنز ميلدنهول , ويبلغ قطره 60 سم تقريبا ووزنه 8,3 كجم . يرمز الطنف الخارجي الى انتصار باخوس على هرقل تظهر عليه ايضا بعض الشخصيات الاسطورية الاخرى , كنبتون مثلا . 

 (5) كانت فيلا هادريان ( 130 م ؟ ) اكثر القصور الرومانية بذخا على الاطلاق , وهي تمثل الاذواق المختلطة والتجربة المعمارية غير المستقرة لحاكم روماني ذي موارد غير محدودة . لم يكن في هذا الاثر بناء ضخم واحد , الا ان المجموع الذي كان مؤلفا من عدد كبير من الساحات والينابيع والتماثيل والاعمدة والبرك والفسيفساءات والمباني كانت مساحته 18 كم مربعا . 
 (6) هذا الرأس هو جزء من تمثال الامبراطور قسطنطين الضخم الموجود في روما , وهو اضخم تمثال صنع في عصره اذ يبلغ 10 امثال حجم صاحبه الحقيقي . نحت حوالي 313 م , وكان ذروة الكمال في الفن الامبراطوري . 
 (7) تمثال مرقس اوريليوس البرونزي ممتطيا جواده موجود في روما , وهو يعود الى تلك الحقبة الانطونينية التي اخذت فيها الاشكال المثالية تحل محل الواقعية الشائعة في عهد تراجان . كان التمثال اصلا مطليا بالذهب , وقد ابقى عليه , بينما حطمت التماثيل البرونزية الاخرى , بسبب الاعتقاد الخاطئ انه كان يمثل الامبراطور المسيحي  قسطنطين . اثر هذا التمثال على انتاج بعض عباقرة عصر النهضة مثل دوناتيلو ( 1386 ؟ - 1466 ) .
(8) في هذه الميدالية الذهبية التي سكت في سالونيك يظهر الملك قسطنطين في صورة تعكس رسوم اغسطس . ادت اعادة النظام الى الامبراطورية الرومانية في عهد ديوقليسيان وقسطنطين الى توحيد النقود الرومانية , ومع ان تصوير الحاكم كان قد بلغ درجة عالية من المهارة في الصنعة , فقد اتخذ شكلا موحدا واتسم بطابع ديني , وتلك خاصة مألوفة من خواص الفن الروماني المتأخر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق